كلمة المؤلف بعد ثلاثة وعشرين عاما، من ذلك الجهاد المرير، الذي قام به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخليفته وربيبه علي بن أبي طالب (عليه السلام) منذ العهد الجاهلي المغمور في الظلمات، ظلمات الجهل والفقر والفاقة والانحطاط الاجتماعي والخلقي والصحي.
بعد ذلك العهد الذي كانت فيه الجزيرة العربية طعمة مبتذلة لجيرانها من الفرس والرومان وحتى الأحباش، وأقلها في الحجاز وأخص منها مكة، البلاد التي حرمت حتى من الماء والهواء العذب، لدرجة لا يطمع فيها غاز أو فاتح بثراء ولا بجمال، وإذا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ذلك الذي قضى دور الطفولة والشباب وهو يتدبر القيام بمهمة تليق بموهبته الروحية والفكرية التي لم يسبق لها مثيل في عالم البشرية.. قد شاء الله عز وجل له أن يظهر ليكون ظهوره معجزة المثال البشرى على وجه هذه البسيطة، بما أوتي من عقل وتدبير وحكمة وكفاح وجهاد، وتصدى لأشد الصدمات والأهوال من أفراد وجماعات تفانت في العصبية الجاهلية، والذب عن الشرك والعادات والأخلاق المستهترة، سارحة في بحبوحة من التعاسة والنعرات القومية يستحل فيها القوي الضعيف لأقصى ما يتصوره الفكر، وينزل فيها الفرد لأدنى درجات الخسة، أمام الشهوات والغرائز الجنسية. تتحكم فيهم العادات والطبائع التي نأت عن الصفات الإنسانية، وابتعدت عن المنطق السليم. يعبدون أحجارا نحتوها بأيديهم، ويعتقدون بسخافات وأوهام يأباها من له ذرة من العقل السليم،