لياقة الاستعطاء واستحقاق العطاء استغراقا في الحياء والخجل، والدليل على مسألته قوله تعالى بعد الآية السابقة: " فاستجبنا له ونجيناه من الغم " (1).
والدليل على أن مسألته كانت هي الرجوع إلى سابق مقامه قوله تعالى:
" فنبذناه بالعراء وهو سقيم * وأنبتنا عليه شجرة من يقطين * وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا به فمتعناهم إلى حين " (2).
ومن ذلك ما ذكره الله تعالى عن أيوب (عليه السلام) بعد ما أزمنه المرض وهلك عنه ماله وولده حيث قال: " وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " (3).
وجوه التأدب فيه ظاهرة مما تقدم بيانه، ولم يذكر (عليه السلام) حاجته صريحا على حد ما تقدم من أدعية آدم ونوح وموسى ويونس (عليهم السلام) هضما لنفسه واستحقارا لأمره، وأدعية الأنبياء كما تقدم ويأتي خالية عن التصريح بالحاجة إذا كان مما يرجع إلى أمور الدنيا وإن كانوا لا يريدون شيئا من ذلك اتباعا لهوى أنفسهم.
وبوجه آخر ذكره السبب الباعث إلى المسألة كمس الضر والصفة الموجودة في المسؤول المطمعة للسائل في المسألة ككونه تعالى أرحم الراحمين، والسكوت عن ذكر نفس الحاجة أبلغ كناية عن أن الحاجة لا تحتاج إلى ذكر، فإن ذكرها يوهم أن الأسباب المذكورة ليست بكافية في إثارة رحمة من هو أرحم الراحمين، بل يحتاج إلى تأييد بالذكر وتفهيم باللفظ.
ومن ذلك ما حكاه عن زكريا (عليه السلام): حيث قال: " ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربه نداء خفيا * قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا * وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا " (4).
إنما حثه على هذا الدعاء ورغبه في أن يستوهب ولدا من ربه ما شاهده