أهل الدين تقتضي ذلك.
على أن جهات الخير والسعادة كلما كانت أرق لطافة وأدق رتبة كانت أوقع عند النفوس بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، بخلاف جهات الشر والشقاء، فإن الإنسان بحسب طبعه يفر من الوقوف عليها، ويحتال أن لا يلتفت إلى أصلها فضلا عن تفاصيل خصوصياتها، وهذا المعنى يوجب اختلاف الدعاءين، أعني الدعاء بالخير والدعاء بالشر من حيث الآداب.
فمن أدب الدعاء بالشر أن تذكر الأمور التي بعثت إلى الدعاء بالتكنية وخاصة في الأمور الشنيعة الفظيعة بخلاف الدعاء بالخير، فإن التصريح بعوامل الدعاء فيه هو المطلوب، وقد راعاه (عليه السلام) في دعائه حيث قال: " ليضلوا عن سبيلك " ولم يأت بتفاصيل ما كانت تأتي به آل فرعون من الفظائع.
ومن أدبه الإكثار من الاستغاثة والتضرع، وقد راعاه فيما يقول: " ربنا " وتكرره مرات في دعائه على قصره.
ومن أدبه أن لا يقدم عليه إلا مع العلم بأنه على مصلحة الحق من دين أو أهله من دون أن يجري على ظن أو تهمة، وقد كان (عليه السلام) على علم منه، وقد قال الله فيه: " ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى " (1) وكأنه لذلك أمره الله سبحانه وأخاه عندما أخبرهما بالاستجابة بقوله: " فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون " والله أعلم.
ومن دعاء موسى ما حكاه الله عنه في قوله: " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين * واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك " (2).
يبتدئ الدعاء من قوله: " فاغفر لنا... الخ " غير أن الموقف لما كان موقفا