شيئا " (1).
فذكر تعالى أدبهم العام في حياتهم أنهم يعيشون على الخضوع عملا وعلى الخشوع قلبا لله عز اسمه فإن سجودهم عند ذكر آيات الله تعالى مثال الخضوع، وبكاءهم وهو لرقة القلب وتذلل النفس آية الخشوع، وهما معا كناية عن استيلاء صفة العبودية على نفوسهم بحيث كلما ذكروا بآية من آيات الله بان أثره في ظاهرهم كما استولت الصفة على باطنهم، فهم على أدبهم الإلهي وهو سمة العبودية إذا خلوا مع ربهم وإذا خلوا للناس، فهم يعيشون على أدب إلهي مع ربهم ومع الناس جميعا.
ومن الدليل على أن المراد به الأدب العام قوله تعالى في الآية الثانية: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات " فإن الصلاة وهي التوجه إلى الله هي حالهم مع ربهم واتباع الشهوات حالهم مع غيرهم من الناس، وحيث قوبل أولئك بهؤلاء أفاد الكلام أن أدب الأنبياء العام أن يراجعوا ربهم بسمة العبودية، وأن يسيروا بين الناس بسمة العبودية، أي تكون بنية حياتهم مبنية على أساس أن لهم ربا يملكهم ويدبر أمرهم، منه بدؤهم وإليه مرجعهم. فهذا هو الأصل في جميع أحوالهم وأعمالهم.
والذي ذكره تعالى من استثناء التائبين منهم أدب آخر إلهي بدأ فيه بآدم (عليه السلام) أول الأنبياء حيث قال: " وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى " (2) وسيجئ بعض القول فيه إن شاء الله تعالى.
وقال تعالى: " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا * الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا " (3).
أدب عام أدب الله سبحانه به أنبياءه (عليهم السلام) وسنة جارية له فيهم أن لا يتحرجوا