وتحكيم الأكثرية في الحقيقة فرار من محاولة تكوين الرأي العام الحقيقي، بل هو اعتراف باستحالته، ومع ذلك لم يسغن غالبا الرجوع إلى الأكثرية ليكون لها الفصل عن ملطفات ومؤثرات أخرى تنضم إلى قوته الطبيعية، أهمها سلطة الحكومة والقانون العام القاضي بتحكيم الأكثرية الذي أصبح بحكم التقليد لا مسيطرا على معتنقيه.
وبتوسيط أمثال هذه الأمور تمكن التسوية بين الأكثرية على رأي متوسط، وإلا فالاتفاق الحقيقي على تفاصيل الأمور يستحيل حتى في الأكثرية.
وهذا الرجوع إلى الأكثرية آخر ما توصل إليه الإنسان بعد العجز عن تحصيل الاتفاق الحقيقي وبعد أن فشل البشر على ممر تلك القرون الطويلة التي أنهكته بالتجارب القاسية، فوجد ذلك خير ضمان للسلام في الأمم. وليس معنى ذلك أن الأكثرية لا تخطأ، كيف والجماعات دائما تفكر بأحط فكرة فيها، ومن مزاياها أنها خاضعة لسلطان العاطفة، فهي علاج لفض المنازعات ليس إلا، لا لضمان تحصيل الرأي المصيب.
وبهذا البيان نخرج إلى فكرة أن تعيين الرئيس أو غيره بالانتخاب الذي هو من أرقي التشريعات الحديثة معناه الرجوع إلى الأكثرية دائما التي أصبحت من التقاليد المرعية عند الناس في هذا العصر، وهذا لم يسبق إليه الإسلام، ومن يدعي أن النبي صلى الله عليه وآله أوكل أمته إلى اختيارهم