فلا بد أن نفرض أنه قد وضع حلا مرضيا لهذا الأمر يكون حدا للمنازعات وقاعدة يرجع إليها الناس، لتكون حجة على المنافقين والمعاندين، وسلاحا للمؤمنين، ما دمنا نعتقد أنه نبي مرسل جاء بشيرا ونذيرا للعالمين إلى يوم يبعثون، فلم يكن دينه خاصا بعصره، ليترك أمته من بعده سدى من غير راع أو طريقة يتبعونها، مع علمه بافتراق أمته في ذلك.
ولا يصح من حاكم عادل أن يحكم بنجاة فرقة واحدة على الصدفة من دون بيان وحجة تكون سببا لنجاتهم باتباعها، وسببا لهلاك باقي الفرق بتركها.
لنفرض أن الحديث والتأريخ لم يسجلا لنا الحل الذي نطمئن إليه، فهل يصح أن نصدقهما بهذا الاهمال، ونوافقهما على أن النبي ترك أمته سدى، وفي فوضوية لا حد لها يختلفون ويتضاربون؟، ثم يتقاتلون، وتراق آلاف آلاف الدماء السلمة، ساكتا عن أعظم أمر مني به الإسلام والمسلمون، مع أنه كان على علم به؟.
ولو كنا نصدقها مستسلمين لكذبنا عقولنا وتفكيرنا، فإن الإسلام جاء رحمة لينقذ العالم الإسلامي من الهمجية والجاهلية الأولى، فكيف يقر تلك المجازر البشرية في أقصى حدودها، تلك المجازر التي لم يحدث التأريخ عن مثلها ولا عن بعض منها في عصر الجاهليين.