اعتقد يا عزيزي لو أنك رجعت إلى ما ذكرته في السقيفة عن دوافعهم على تنكيرهم لكان لك مقنعا كافيا.
وأما قولك: " فقد كان الأولى أن لا تغيب عن فطنة رسول الله وهو المؤيد بالوحي فلا يأمر بأمر أمته يعلم سلفا بأنهم لا يطيعونه فيه فيعرضهم بذلك إلى غضب الله... " فإني أقول كيف يغيب عن فطنتك قوله تعالى: " فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين ". وقوله: " إن أنت إلا نذير ". وقوله: " ولا تذهب نفسك عليهم حسرات... " وأمثال ذلك في القرآن كثير. وفي الحقيقة أن الرسول عليه أن يبلغ الأمر الإلهي وليس عليه أن لا يطيعه الناس. ولا يصح أن يتنازل عنه لمجرد أنه يعلم سلفا أنهم لا يطيعونه، وإلا لوجب أن يترك كثيرا من الأحكام أو كلها لأنه يعلم سلفا أنهم - كلهم أو بعضهم لا فرق - لا يطيعونه. ومن المواقع التي يعلم سلفا أنهم لا يطيعونه فيها ومع ذلك بلغها قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة " فإنه أجمع المفسرون وأهل الحديث أنه لم يعمل بهذا الحكم إلا علي عليه السلام (1).
يا عزيزي إن الله تعالى يقول: " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " ثم يقول عن المؤمنين بالخصوص: " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " فإذا كان تعالى يعلم سلفا ورسوله يعلم سلفا أن الناس أكثرهم لا يؤمنون وأن يؤمنون أكثرهم في إيمانهم مشركون، فيكون - على قولك - إرسال الرسل وتبليغ الأحكام للناس من قبلهم تعريضا