النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ١٨٠
معهم على هذه الحال، يقابل إساءتهم باللقيا عليهم، والاحسان إليهم؟ عملا بقوله تعالى ﴿ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم﴾ (٢٣٧).
كان النبي صلى الله عليه وآله يومئذ قادرا على دخول مكة وزيارة البيت عنوة، بدليل قوله تعالى في هذه الواقعة: ﴿ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا﴾ (٢٣٨) وقوله فيها أيضا عز من قائل ﴿وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد ما أظفركم عليهم﴾ (239).
وكان المشركون على يقين من ظفره عليهم لو قاتلهم صلى الله عليه وآله وقد علموا بإصرار أصحابه عليه في القتال، وأنه أبى عليهم ذلك كل الإباء، إيثارا للسلم وحسن عواقبه، وحقنا للدماء، واحتراما للحرم، واحتياطا على حرماته، وأدركت قريش إشفاقه عليها، ورعايته لحقوقها الرحيمة منه، وأنه لذلك " قبل المهادنة على ما فيها من الشروط القاسية " لم تأخذه الآنفة من صدهم إياه عن المسجد الحرام، وإرجاعه - على حافزته بأصحابه رغما لكثير منهم - إلى المدينة.
وهذا ما كان في نظر قريش كفارة له عما كان في بدر وأحد والأحزاب، إذ تجلى يومئذ لهم - بكفه عن قتالهم - أنه غير مسؤول عن شئ من ذلك، وإنما المسؤول عن تلك الدماء المسفوكة إنما هم مشائخ قريش كأبي سفيان وأبي جهل وأضرابهما الذين غزوه - وهو في مهجره الذي فر منه إليه - فاضطروه إلى دفع عدوانهم عنه وعن أصحابه، ولو كفوا عنه وعن الذين آووه ونصروه

(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»