النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ١٧٩
القرآن الحكيم من علم وحكمة، ونظم اجتماعية، وسنن وفرائض وآداب وأخلاق، ومواعظ وعبر، وأخبار الأمم الماضية، والقرون الخالية، فإذا هؤلاء أيضا مبشرون - ببطن مكة - ومنذرون، وقد كان لعملهم هذا أثره العظيم في تسهيل أمر الفتح، بلا قتال ولا ممانعة، والحمد لله.
وهناك من فوائد الصلح ما حصل بمجرد اجتماع المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وآله في الحديبية، ووقوفهم على هديه وخلقه بإمعان، وكان أكثر قريش - إذ ذاك - لا يعرفون منهما شيئا، ولا سيما شبابهم، إذ كان أبو جهل والوليد وأبو سفيان وشيبة وعتبة وأمثالهم من مشيخة الأوثان والجاهلية أرجفوا برسول الله صلى الله عليه وآله وتسنى لهم تسميم الرأي العام الجاهلي فيه، وقد أجلبوا عليه بكل ما لديهم من حول وطول، وبكل ما يستطيعونه من فعل وقول، ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
قصدوه وهو في دار هجرته محاربين ليقتلوه وأصحابه، وليستأصلوا شأفة الذين آووه ونصروه بغيا وعدوانا، فنصره الله عليهم في بدر وأحد والأحزاب ﴿فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين﴾ (236).
لكن ظل أهل مكة - بعد هذه الحروب - على ضلال رأيهم المسموم في رسول الله صلى الله عليه وآله إذ لم تره أعينهم بعد الهجرة، ولم يبلغهم عنه إلا ما سمعوه من أولئك المرجفين، فلما كان يوم الحديبية، واختلطوا به وبأصحابه، رأوا منه خلقا عظيما.
كانوا كلما تبغضوا إليه بجفاء وسوء صنع، تحبب إليهم بحنو وعاطفة وحسن صنع، فإذا قسوا وأغلظوا له لأن وخفض لهم جناح الرحمة، مستمرا

(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»