فصلى رسول الله فريضة العصر بأصحابه صلاة الخوف المشروعة بهذه الآيات (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا) (1).
[شراسة قريش وحكمة النبي صلى الله عليه وآله] لقي رسول الله صلى الله عليه وآله في الحديبية حين أتاها أذى كثيرا من المشركين، وغلظة وجفاء ومكاشفة له ولأصحابه في العداوة والبغضاء، ولقي المشركون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ذلك وأشد عملا منهم رضي الله عنهم بقوله تعالى: (وليجدوا فيكم غلظة)، لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسع المشركين بحلمه الموحي يومئذ إليه من ربه عز وعلا بحكمته التي فطر عليها، وبخلقه العظيم الذي فضله الله به على سائر النبيين والمرسلين عليه وآله وعليهم السلام.
صده المشركون عن مكة صدا شكسا شرسا لئيما، فما استخفه بذلك غضب، ولا روع حلمه رائع، كان يأخذ الأمور - مع أولئك الجفاة - بالملاينة والإغماض، وله في شأنهم كلمات متواضعة، على أن فيها من الرفعة والعلاء ما يريهم إياه فوق الثري، ويريهم أنفسهم تحت الثرى، وفيها من النضج لهم و الاشفاق عليهم ما لم يكن فيه ريب لأحد منهم، ومن الحكمة الإلهية ما يأخذ بمجامع قلوبهم - على قسوتها وغلظتها - باجتياحهم إليه، ومن الوعيد والتهديد باستئصال جذرتهم وبذرتهم ما يقطع نياط قلوبهم (222).