النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ١٦١
وإذا كان خائفا من المنافقين أن يقدحوا في صحة ذلك الكتاب، فلماذا بذر لهم بذرة القدح، حيث عارض ومانع وقال: " هجر "؟!
وأما قولهم في تفسير قوله: " حسبنا كتاب الله ": إنه تعالى قال: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقال عز من قائل: (اليوم أكملت لكم دينكم) فغير صحيح، لأن الآيتين لا تفيدان الأمن من الضلال، ولا تضمنان الهداية للناس، فكيف يجوز ترك السعي في ذلك الكتاب اعتمادا عليهما؟ ولو كان وجود القرآن العزيز موجبا للأمن من الضلال، لما وقع في هذه الأمة من الضلال والتفرق ما لا يرجى زواله (1).
وقالوا في الجواب الأخير: إن عمر لم يفهم من الحديث أن ذلك الكتاب سيكون سببا لحفظ كل فرد من أمته من الضلال، وإنما فهم أنه سيكون سببا لعدم اجتماعهم - بعد كتابته - على الضلال. (قالوا): وقد علم رضي الله عنه أن اجتماعهم على الضلال مما لا يكون أبدا، كتب ذلك الكتاب أو لم يكتب ولهذا عارض يومئذ تلك المعارضة.
وفيه مضافا إلى ما أشرتم إليه: أن عمر لم يكن بهذا المقدار من البعد

(١) وأنت تعلم أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقل: أن مرادي أن أكتب الأحكام، حتى يقال في جوابه: حسبنا في فهمها كتاب الله تعالى ولو فرض أن مراده كان كتابة الأحكام، فلعل النص عليها منه كان سببا للأمن من الضلال، فلا وجه لترك السعي في ذلك النص اكتفاء بالقرآن، بل لو لم يكن لذلك الكتاب إلا الأمن من الضلال بمجرده لما صح تركه والإعراض عنه اعتمادا على أن كتاب الله جامع لكل شئ.
وأنت تعلم اضطرار الأمة إلى السنة المقدسة وعدم استغنائها عنها بكتاب الله وإن كان جامعا مانعا، لأن الاستنباط منه غير مقدور لكل أحد، ولو كان الكتاب مغنيا عن بيان الرسول لما أمر الله تعالى ببيانه للناس، إذ قال عز من قائل: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم) (منه قدس).
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»