النص والإجتهاد - السيد شرف الدين - الصفحة ١٠٩
رأي عمر بن الخطاب وطائفة من المسلمين معه أن لا يقاتلوا قوما يؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وأن يستعينوا بهم على عدوهم. ولعل أصحاب هذا الرأي كانوا أكثر الحاضرين في حين كان الذين أشاروا بالقتال هم القلة، وأغلب الظن أن المجادلة بين القوم في هذا الأمر البالغ الخطر طالت واحتدمت أيما احتدام فقد اضطر أبو بكر أن يتدخل بنفسه فيها يؤيد القلة، ولقد اشتد في تأييد رأيه في ذلك المقام.
يدل على ذلك قوله: " والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لقاتلهم على منعه " (148) ولم يثن هذا المقال عمر عن أن يرى ما في القتال من تعريض المسلمين لخطر تخشى مغبته، فقال في شئ من الحدة:
كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابهم على الله "! (149).
لكن أبا بكر لم يتريث ولم يتردد في إجابة عمر فقال: " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال " وقد قال: " إلا بحقها " (150).
قلت: عفى الله عن أبي بكر ما أراد أن يكون كالضارب بهذا النص عرض الجدار فحمله بلباقة على ما تقتضيه سياسته مما كان عازما عليه من القتال. وإلا فإن المؤمنين بالله ورسوله ممن قوتلوا يومئذ وقتلوا، فلم يكن منهم من يفرق

(148) صحيح مسلم ك الإيمان ب 8 ج 1 / 51.
(149) راجع: صحيح مسلم ك الإيمان ب 8 ج 1 / 51، سنن ابن ماجة ك الفتن ب 1 ج 2 / 1295، خصائص النسائي ص، سنن البيهقي ج 8 / 19 و 196، الغدير للأميني ج 7 / 163.
(150) نفس المصادر السابقة.
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»