هذه الأمة أن شبهاتها نشأت في منافقي زمن رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ لم يرضوا بحكمه فيما كان يأمر وينهى، وشرعوا فيما لا مسرح للفكر فيه ولا مسرى، وسألوا عما منعوا من الخوض فيه والسؤال عنه، وجادلوا بالباطل فيما لا يجوز الجدال فيه.
ثم روى طرفا مما روي من ذلك فقال: فهذا ما كان في زمانه عليه السلام، وهو صلى الله عليه وآله على شوكته وقوته وصحة بدنه، والمنافقون يخادعون ويظهرون الاسلام ويبطنون النفاق، وإنما يظهر نفاقهم في كل وقت بالاعتراض على حركاته وسكناته، فصارت الاعتراضات كالبذور، وظهر منها الشبهات كالزروع.
وأما الاختلافات الواقعة في حال مرضه وبعد وفاته بين الصحابة، فهي اختلافات اجتهادية - كما قيل - كان غرضهم فيها إقامة مراسم الشرع، وإدامة مناهج الدين.
فأول تنازع وقع في مرضه صلى الله عليه وآله فيما رواه محمد بن إسماعيل البخاري عن عبد الله بن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه قال: " أئتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي "، فقال عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله، وكثر اللغط فقال عليه السلام: " قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع ". قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله (1). انتهى.
أقول: لا يخفى انتظام أول كلامه واطراده وصحته، وأما استثناؤه من ذلك ما وقع من أئمة وقادته، فاقتراح بغير بينة ولا سلطان، ولا حجة ولا برهان، وتعصب وعناد، ألا ترى انه لما ذكر الاختلاف الواقع في حياته