ثم إني لما فزت بفضل الله تعالى ورحمته بتقبيل عتبة مولاي ومولى المؤمنين وسيدي وسيد المسلمين وبضعة سيد المرسلين، وقرء عين أشرف الوصيين، وخازن علم الأولين والآخرين، ومختلف ملائكة السماوات والأرضين، ثامن الأئمة الطاهرين، علي بن موسى الرضا المرتضى صلوات الله عليه وعلى آبائه الأطهرين، وذريته الأنجبين، كان من بركات تلك البقعة المباركة تشرفي بصحبة المولى الأولى الفاضل الباذل البارع الكامل التقى الذكي، جامع فنون الفضائل والكمالات، حائز قصبات السبق في مضامير السعادات الذي اختار من الأخلاق أحمدها ومن الشؤون أسعدها، ومن السبل أقصدها، ومن الأطوار أرشدها، نجل المشايخ العظام، وسليل الأفاضل الكرام، أعني الحبر العالم العامل الشيخ محمد فاضل زاد الله في فضله وإكرامه وأسبغ عليه من جلائل إنعامه، فوجدته قد قضى وطره من العلوم العقلية، وأمعن نظره فيها، واستوفى حظه منها، ثم أعرض عنها صفحا، وطوى عنها كشحا، وأقبل بشراشره نحو علوم أئمة الدين سلام الله عليهم أجمعين، وتصفح أخبارهم، والتدبر في آثارهم غير مبال بلومة اللائمين، ولا خائف من عذل العاذلين، فقصر عليها همته وبيض فيها لمته.
فكان من كرم أخلاقه وطيب أعراقه أنه دام نبله بعد أن عقدت لافادته المجالس، وغصت لإفاضته المحافل، أتاني لحسن ظنه بي، وإن لم أكن لذلك أهلا للحق واليقين طالبا، وفي علوم مواليه (عليهم السلام) راغبا، فقرأ على شطرا وافيا من كتابي الكافي والتهذيب، من مؤلفات الشيخين الجليلين الثقتين الفاضلين الكاملين، ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني، وشيخ الطائفة المحقة محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحهما وكتاب بحار الأنوار من مؤلفاتي وغيرها من كتب الاخبار المأثورة عن الأئمة الأبرار، صلوات الله عليهم على غاية التصحيح والتنقيح والتحقيق، وفاوضني في كثير من المسائل الشرعية في مجالس عديدة، بنظره الدقيق وفكره الأنيق، فلم يكن في كل ذلك إفادته لي قاصرة عن استفادته عني بل كان أربى.