أما بعد فلما كان المولى الأولى الفاضل الكامل الصالح الناصح المتبحر النحرير المتوقد الذكي جامع فنون العلم وأصناف الكمالات، حائز قصبات السبق في مضامير السعادات محيي مدارس العلم بأنفاسه المسيحية، ومروي بساتين الفضل بأنهار أفكاره الأريحية، الفائق على البلغاء نظما ونثرا والغائض في بحار الحكمة دهرا أعني مولانا (1) مسيح الدين محمد الشيرازي بلغه الله غاية الآمال والأماني، قد صرف برهة من عمره الشريف في تحصيل العلوم العقلية والأدبية، التي يتزين بها الناس في هذا الزمان، ويتفاخر بها بين الاقران.
فلما بلغ الغاية القصوى في مناكبها، ورمى بأرواقه عن مراكبها، وعلم أن للعلم أبوابا لا يؤتى إلا منهم، وللحق أصحابا لا يؤخذ إلا عنهم (2) أقبل بقدمي الاذعان واليقين، نحو تتبع آثار سيد المرسلين، وتصفح أخبار الأئمة الطاهرين، صلوات الله عليه وعليهم أجمعين فبذل فيها جهده وجده، واستفرغ لها وكده وكده، فلما شرفت بصحبته حديثا بعد أن كانت الاخوة بيني وبينه قديما وفاوضته في فنون من العلوم العقلية والنقلية، وجدته بحرا زاخرا من العلم لا يساحل، وألفيته حبرا ماهرا في الفضل لا يناضل، ثم إنه زيد فضله، لما أراد أن يتأسى بسلفنا الصالحين، وينتظم في سلك رواة أخبار أئمة الحق والدين، سلام الله