فلا زالت مراحمكم الجلية، مدركة للطالبين، بأضواء الأعطاف العلية، و مروية للظامئين بجرع الأعطاف الخفية والجلية.
ثم إن صورة مراتب الشوق والاخلاص التي هي وراء ما يتناهى بما لا يتناهى، أظنها هي المنطبعة كما هي عليها، في خاطركم الأقدس الأنور الذي هو لأسرار عوالم الوجود كمرآة مجلوة، ولغوامض أفانين العلوم ومعضلاتها كمصفاة مطحوة.
وإنكم لأنتم بمزيد فضلكم المؤملون لا مرار المخلص على حواشي الضمير، المقدس المستنير، عند صوالح الدعوات السانحات في مئنة الاستجابة، ومظنة الإجابة بسط الله ظلالكم، وخلد مجدكم وجلاكم، والسلام على جنابكم الا رفع الأبهى، وعلى من يلوذ ببابكم الا رفع الأسمى، ويعكف بفنائكم الأوسع الأسنى، ورحمة الله وبركاته أبدا سرمدا.
ومن غريب رسائله رسالته الخلعية، وهي مما يدل على تأله سريرته، وتقدس سيرته، وصورتها:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد كله لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد وآله الطاهرين، كنت ذات يوم من أيام شهرنا هذا، وقد كان يوم الجمعة سادس عشر شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شعبان المكرم لعام ثلاث وعشرين وألف من هجرته المقدسة في بعض خلواتي، أذكر ربي في تضاعيف أذكاري وأورادي، باسمه الغني فأكرر " يا غني يا مغني " مشدوها بذلك عن كل شئ إلا عن التوغل في حريم سره، و الامتحاء في شعاع نوره، وكأن خاطفة قدسية قد ابتدرت إلى، فاجتذبتني من الوكر الجسماني، ففككت حلق شبكة الحس، وحللت عقد حبالة الطبيعة، وأخذت أطير بجناح الروع في جو ملكوت الحقيقة، وكأني قد خلعت بدني، ورفضت عدني ومقوت خلدي، ونضوت جسدي، وطويت إقليم الزمان وصرت إلى عالم الدهر.
فإذا أنا بمصر الوجود بجماجم أمم النظام الجملي من الابداعيات والتكوينيات والإلهيات والطبيعيات والقدسيات والهيولانيات والدهريات والزمنيات، وأقوام