نسايم الأسحار.
إلى ذات مقدسة، ونفس على التقوى مؤسسة، وإخبات ووقار، وعفاف يرجع من التقى بأوقار، به أحيا الله الفضل بعد اندراسه، ورد غريبه إلى مسقط رأسه، فجمع شمله بعد الشتات، ووصل حبله بعد البتات.
شفع شرف العلم بظرف الأدب، وبادر إلى حوز الكمال وانتدب، فملك للبيان عنانا، وهصر من فنونه أفنانا، فنظمه منظوم العقود، ونثره منثور الروض المعهود، ومما يسطر من مناقبه الفاخرة، الشاهدة بفضله في الدنيا والآخرة، أنه ره كان قد أصابته في صغره عين، ذهبت من حواسه الشريفة بعين، فرأى والده النبي صلى الله عليه وآله في منامه فقال له: إن اخذ بصره فقد اعطى بصيرته.
ولقد صدق وبر صلى الله عليه وآله فإنه نشأ بالبحرين فكان لهما ثالثا، وأصبح للفضل والعلم حارثا ووارثا، وولي بها القضاء، فشرف الحكم والامضاء، ثم انتقل منها إلى شيراز، فطالت به على العراق والحجاز، وتقلد بها الإمامة والخطابة، ونشر حبر فضائله المستطابة، فتاهت به المنابر، وباهت به الأكابر، وفاهت بفضله ألسن الأقلام وأفواه المحابر.
ولم يزل بها حتى أتاه اليقين، وانتقل إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، فتوفي سنة ثمان وعشرين وألف - ره - وهذا محل نبذة من شعره، ونفثة من بيان سحره، ولا أراني أثبت منه غير اللؤلؤ البحراني.
أخبرني بعض الأصحاب أنه كان أنشأ في يوم جمعة خطبة أبدعها، وأودعها من نفايس البراعة ما أودعها، فلما ارتقى ذروة المنبر، أنسي ما كان أنشأ وحبر، فاستأنف لوقته خطبة أخرى، وختمها بهذه الأبيات: التي كست فنون القريض فخرا (1).