وبكر إلى نيل الزلفى لدي ربه وهجر.
وزاد به الدين الحنيفي رفعة * وشاد دروس العلم بعد دروسها وأحيا موات العلم منه بهمة * يلوح على الاسلام نور شموسها إلى تأله وتنسك، وتعلق بأسباب العرفان وتمسك، وعفة وزهادة، وصلاح وطد به مهاده، وعمل زان به علمه، ووقار حلى به حلمه، وبلاغة وبراعة ثقف بهما لسانه ويراعه.
أخبرني غير واحد أن سلطان العجم الشاه عباس قصد يوما زيارة الشيخ بهاء الدين محمد فرأى بين يديه من الكتب ما ينوف على الألوف، فقال له السلطان: هل في العالم عالم يحفظ جميع ما في هذه الكتب؟ فقال: لا، وإن يكن فهو الميرزا إبراهيم، و ناهيك بها شهادة بفضله، واعترافا بسمو مقداره ونبله، وكانت وفاته سنة ست وعشرين وألف.
ومن إنشائه الذي بلغ من البلاغة الإرب، وعجزت عن الحوك على منواله مداره العرب، ما كتبه إلى الشيخ بهاء الدين المذكور وهو:
الاتحاد الحقيقي يقتضي سماحة توشيح مفتتح الخطاب، وترشيح مبتدء الكتاب بما استقر عليه العرف العام، واستمر عليه الرسم بين الأنام، من ذكر المحامد والألقاب، ونشر المزايا في كل باب، مع أن ذلك أمر كفت شهرته مؤنة التصدي لتحريره، وأغنى ارتكازه في الأذهان عن شرحه وتقريره.
فلو أطلقت عنان القلم في هذا المضمار، وأجريت فلك التبيان في ذلك البحر الزخار كنت كمن يصف الشمس بالضياء، ويثني على حاتم بالسخاء، فلذلك ضربت صفحا عن ذلك، وطويت كشحا عن سلوك تلك المسالك، واقتصرت على الايماء إلى نبذة من هموم مد يده، سلم برهان السلم عدم انحصارها، وشر ذمة من غموم عديده، لا ينطبق دليل التطبيق على عشر معشارها، واكتفيت عن الاطناب في هذا الباب، بما تضمنه قول بعض ذوي الألباب (1).