بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٠٢ - الصفحة ١٥٣
السيد (1) الفاضل المحدث الجليل السيد نعمة الله الحسنى الموسوي الجزايري صاحب المصنفات الكبار، والمعين على تأليف مجلدات البحار عليه رحمة الله الملك الغفار، قال: إني لما جلت في أطراف البلاد لتحصيل مراتب الكمال، وفزت بما فازت به أسماع أفئدة السالكين إلى الله تعالى من أفواه الرجال، ثم سمعت بطلوع كوكب اجتهاد مولانا المجلسي الباقر لعلوم الأديان من أفق بلدة أصفهان عطفت عنان الهمة نحو صوبه الأقدس بقصد الغوص في بحار أنواره، والاقتباس من ضياء آثاره.
فلما وردت ماء مدين حضوره المسعود، واستفدت من بركات أنفاسه الشريفة زايدا على ما هو المقصود، واطلعت على خفايا زوايا أموره، وصرت من شدة التقرب إلى جنابه المعظم كأحد من أهل دوره، وطال مقامي لديه، وقوى تجسري عليه.
وكنت قد رأيت منه في هذه المدة آثار العظمة والجلال، والتزين بأنواع ما يكون في الدنيا من أثواب التجمل بالحلال، حتى ظهر لي أن سراويل جواريه وإمائه الموكلات بأمر مطابخه كانت من أقمشة وبر قشمير، فوقع منه في صدري شئ، وضاق خلقي من كثرة عكوف مثله على هذه الدنيا، واعتنائه الكثير بشأن ما زهد فيه أئمة الهدى عليهم السلام.
فاغتنمت خلوة منه رحمه الله، وتكلمت معه كثيرا في ذلك، فلما رأيت قصور نفسي عن المصارعة لمثله في العلميات، وعجزي عن المقاومة في ميدان المجادلات، قلت: يا مولاي جنابك تقول ما شئت وأنت غواص بحار الأنوار وأنا في جنبك بمنزلة الذرة فما دونها، فإن كان رأي مولانا تركنا الاحتجاج في مثل هذا، وعاهدنا الله تعالى على أن يأتي من كان منا وقع موته قبل موت صاحبه في منام الآخر ليخبره بعد ما أذن له في الكلام من حقيقة ما انكشف له في تلك النشأة المنجلية أحكامها عن باطن الامر فتقبله منى وقام كل منا عن الآخر.
ثم إنه كان من القضاء الاتفاقي بعد أيام قلائل أنه مرض رحمه الله تعالى

(1) الروضات ص 122.
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست