الحفيرة لفارقته ولم أصبر المقام معه تحت التراب.
ثم لما حملوه إليها وأدخلوه القبر لم أصبر المفارقة عنه لشدة أنسي به، و دخلت على أثره الحفيرة من غير اختيار فإذا بمناد ينادي: يا عبدي يا محمد باقر ماذا أعددت للقاء مثل هذا اليوم؟ فجعلت أعدد له ما صدر مني من الأعمال الحسنة، و الباقيات الصالحات، وهو لا يقبل مني، ويعيد علي هذا النداء، وأنا مضطرب ولهان لا أجد مفرا مما كان مني، ولا مفزعا أتوجه إليه في أمري.
فبينا أنا في هذه الدهشة العظمى إذ تذكرت أني كنت يوما راكبا إلى بعض المواضع مارا من السوق الكبير من أصبهان فرأيت الناس قد اجتمعوا حول رجل من المؤمنين كان متهما عند أهل البلد بفساد المذهب مع أني كنت أعلم بصلاحه وسداده ولا أفشيه عند أحد اتقاء لموضع الريبة.
فلما رأيت الناس يضربونه ويسبونه، ويطالبون منه حقوقهم، وهو لا يقدر على إعطائهم شيئا، ويستمهلهم وهم لا يمهلونه ويقعون في عرضه وبدنه، وواحد منهم يدق على رأس ذلك المؤمن بباطن نعله، ويقول: أدري أنك عاجز عن قضاء ديونك، ولكن أدق على رأسك حتى أطفئ نايرة قلبي منك، فلم أصبر عن ذلك وقلت: متى أتقي عن هذا الخلق المنكوس، ولا أتقى الخالق الجليل في إعانة أضعف عبيده الملهوف.
فوقفت عند رأسه وصحت على وجوه المتعرضين له، وقلت لهم: ويحكم هلموا معي حتى أقضي ما كان لكم عليه من الدين، وحملته معي إلى المنزل وأخذت في إعزاره وإجلاله، وتدارك ما فات منه، وقضيت ديونه، وكفيت شؤونه، وحققت له الرجاء بما لا مزيد عليه له.
ثم إني عرضت ذلك على ربي فتقبله مني وغفر لي، وسكن النداء، وأمر لي بفتح باب من الرحمة تلقاء وجهي إلى جنات الخلود، يجيئني منه الروح والريحان، وطريف هواء الجنان في كل حين، ووسع لي في مضجعي الذي تراه إلى حيث شاء الله، وأنا متنعم منذ ذلك الوقت بأنواع النعم متمتع من عند إلهي الأرحم الأجل الأكرم