صاحبنا أنهم يقولون فيما بينهم: نحن ألف وهم ألفان، ولسنا نطيق مكافحتهم، وليس لنا إلا التحاصن في البلد حتى تضيق صدورهم من مقاتلتنا فينصرفوا عنا فتجرأنا بذلك عليهم، وزحفنا إليهم، فدخلنا بلدهم وأغلقوا دوننا بابه، فقعدنا ننازلهم.
فلما جن علينا الليل وصرنا إلى نصفه فتحوا باب بلدهم، ونحن غارون (1) نائمون ما كان فينا منتبه إلا أربعة نفر: زيد بن حارثة في جانب من جوانب عسكرنا يصلي ويقرء القرآن، [وعبد الله بن رواحة في جانب آخر يصلي ويقرء القرآن، و قتادة بن النعمان في جانب آخر يصلي ويقرء القرآن] (2) وقيس بن عاصم في جانب آخر يصلي ويقرء القرآن، فخرجوا في الليلة الظلما الدامسة ورشقونا بنبالهم وكان ذلك بلدهم وهم بطرقه ومواضعه عالمون، ونحن بها جاهلون، فقلنا فيما بيننا: دهينا وأوتينا، هذا ليل مظلم لا يمكننا أن نتقي النبال، لأنا لا نبصرها.
فبينا نحن كذلك إذ رأينا ضوءا خارجا من في قيس بن عاصم المنقري كالنار المشتعلة وضوءا خارجا من في قتادة بن النعمان كضوء الزهرة والمشتري، وضوءا خارجا من في عبد الله بن رواحة كشعاع القمر في الليلة المظلمة، ونورا ساطعا من في زيد بن حارثة أضوء من الشمس الطالعة، وإذا تلك الأنوار قد أضاءت معسكرنا حتى أنه أضوء من نصف النهار، وأعداؤنا في مظلمة شديدة، فأبصرناهم وعموا عنا، ففرقنا زيد عليهم حتى أحطنا بهم ونحن نبصرهم وهم لا يبصروننا، فنحن بصراء وهم عميان، فوضعنا عليهم السيوف، فصاروا بين قتيل وجريح وأسير، و دخلتا بلدهم فاشتملنا على الذراري والعيال والأثاث والأموال، وهذه عيالاتهم وذراريهم، وهذه أموالهم وما رأينا يا رسول الله أعجب من تلك الأنوار من أفواه هؤلاء القوم، التي عادت ظلمة على أعدائنا حتى مكننا منهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فقولوا: الحمد لله رب العالمين على ما فضلكم به من شهر شعبان، هذه كانت غرة شعبان، وقد انسلخ عنهم الشهر الحرام، وهذه الأنوار