الذي ليس لفضله دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع، لا يخفى عليه الطلائع ولا يضيع عنده الودائع، والمجزي لكل صانع، والرازق لكل مانع، وراحم كل ضارع، منزل المنافع، والكتاب الجامع، بالنور الساطع، الذي هو للدعوات سامع، وللمكرمات رافع، وللجبابرة قامع، لا إله غيره، ولا شئ بعده ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، اللطيف الخبير على كل شئ قدير.
اللهم إني أرغب إليك، وأشهد لك مقرا بأنك ربي، وإليك مردي، ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا، خلقتني وأنا من التراب، وأسكنتني وأنا من الأصلاب آمنا لريب المنون، واختلاف الدهر، فلم أزل ظاعنا من صلب إلى صلب إلى رحم في تقادم الأيام الماضية، والقرون الخالية، لم تخرجني بلطفك لي وإحسانك إلى في دولة أئمة الكفر، الذين نقضوا عهدك، وكذبوا رسلك لكنك أخرجتني رأفة منك، وتحننا على للذي سبق لي من الهدى الذي يسرتني وعليه أنشأتني من قبل ذلك رأفة بي، بجميل صنعك، وسوابغ نعمتك (1).
ابتدعت خلقي من مني يمنى، ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث، بين لحم وجلد ودم، لم تشهرني بخلقي، ولم تجعل لي شيئا من أمري، ثم أخرجتني إلى الدنيا تاما سويا، وحفظتني في المهد طفلا صبيا، ورزقتني من الغذاء لبنا مريئا، وعطفت على قلوب الحواضن، وكفلتني بالأمهات الرحائم، وكلأتني من طوارق الحدثان وسلمتني من الزيادة والنقصان، فتعاليت ربنا يا أرحم الراحمين.
حتى إذا استهللت بالكلام، أتممت على بالانعام، وربيتني متزائدا في كل عام، حتى إذا أكملت فطرتي، واعتدلت قوتي أوجبت على حجتك، بأن ألهمتني معرفتك وروعتني بعجائب رحمتك. وأيقظتني بما ذرأت في سمائك وأرضك في بدائع خلقك، ونبهتني لشكرك وذكرك، وأوجبت طاعتك وعبادتك، وفهمتني ما جاءت به رسلك، ومننت على بجميع ذلك بعونك ولطفك.