فخرج ياسر وأنا ألطم حر وجهي فما كان بأسرع من أن رجع ياسر فقال:
البشرى يا أمير المؤمنين قال: لك البشرى فما عندك؟ قال ياسر: دخلت عليه فإذا هو جالس وعليه قميص ودواج وهو يستاك فسلمت عليه وقلت: يا ابن رسول الله أحب أن تهب لي قميصك هذا أصلي فيه وأتبرك به، وإنما أردت أن أنظر إليه وإلى جسده هل به أثر السيف، فوالله كأنه العاج الذي مسه صفرة، ما به أثر.
فبكى المأمون طويلا وقال: ما بقي مع هذا شئ إن هذا لعبرة للأولين والآخرين وقال: يا ياسر أما ركوبي إليه وأخذي السيف ودخولي عليه فاني ذاكر له، وخروجي عنه فلا أذكر شيئا غيره ولا أذكر أيضا انصرافي إلى مجلسي، فكيف كان أمري وذهابي إليه لعنة الله على هذه الابنة لعنا وبيلا، تقدم إليها وقال لها يقول لك أبوك: والله لئن جئتني بعد هذا اليوم وشكوت منه أو خرجت بغير إذنه لانتقمن له منك ثم سر إلى ابن الرضا وأبلغه عني السلام واحمل إليه عشرين ألف دينار وقدم إليه الشهري الذي ركبته البارحة، ثم أمر بعد ذلك الهاشميين أن يدخلوا عليه بالسلام ويسلموا عليه.
قال ياسر: فأمرت لهم بذلك ودخلت أنا أيضا معهم وسلمت عليه وأبلغت التسليم ووضعت المال بين يديه، وعرضت الشهري عليه فنظر إليه ساعة ثم تبسم فقال: يا ياسر هكذا كان العهد بينه وبين أبي وبيني وبينه، حتى يهجم علي بالسيف؟! أما علم أن لي ناصرا وحاجزا يحجز بيني وبينه؟.
فقلت: يا سيدي يا ابن رسول الله دع عنك هذا العتاب، فوالله وحق جدك رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان يعقل شيئا من أمره، وما علم أين هو من أرض الله وقد نذر لله نذرا صادقا، وحلف أن لا يسكر بعد ذلك أبدا فان ذلك من حبائل الشيطان، فإذا أنت يا ابن رسول الله أتيته فلا تذكر له شيئا ولا تعاتبه على ما كان منه فقال عليه السلام: هكذا كان عزمي ورأيي والله ثم دعا بثيابه ولبس ونهض، وقام معه الناس أجمعون حتى دخل على المأمون.
فلما رآه قام إليه وضمه إلى صدره، ورحب به ولم يأذن لاحد في الدخول