فأجاره وأكرمه وأحسن إليه، فمدحه وأقام عنده، ثم إنه لم ير له نصيبا في الجبلين: أجا وسلمى (1)، فخاف أن لا يكون له منعة (2) فتحول فنزل على خالد بن سدوس بن أصمع التيهاني، فأغارت بنو جديلة على امرئ القيس وهو في جوار خالد بن سدوس، فذهبوا بإبله، وكان الذي أغار عليه منهم باعث بن حويص، فلما أتى امرأ القيس الخبر ذكر ذلك لجاره (3)، فقال له: أعطني رواحلك ألحق عليها القوم فأرد عليك إبلك، ففعل فركب خالد في أثر القوم حتى أدركهم، فقال يا بني جديلة أغرتم على إبل جاري، قالوا: ما هو لك بجار، قال: بلى والله وهذه رواحله، قالوا: كذلك؟ قال: نعم، فرجعوا إليه فأنزلوه عنهن وذهبوا بهن وبالإبل! وقيل: بل انطوى خالد على الإبل فذهب بها، فأنشد امرؤ القيس هذه القصيدة.
وحجراته: نواحيه، الواحدة: حجرة مثل جمرات وجمرة. وصيح في حجراته أي صياح الغارة. والرواحل جمع راحلة وهي الناقة التي تصلح لان يشد الرحل (4) على ظهرها. ويقال للبعير راحلة. وانتصب (حديثا) بإضمار فعل أي هات حديثا أو حدثني حديثا، ويروى (ولكن حديث) أي ولكن مرادي أو غرضي حديث، فحذف المبتدا، و (ما) ههنا يحتمل أن يكون إبهامية وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة زادته إبهاما وشياعا، كقولك: ((أعطني كتابا ما) تريد أي كتاب كان، ويحتمل أن يكون صلة مؤكدة كالتي في قوله تعالى: فبما نقضهم ميثاقهم (5)) وأما حديث الثاني فقد ينصب وقد يرفع، فمن نصب أبدله عن حديث الأول، ومن رفع جاز أن يجعل (ما) موصولة بمعنى (الذي) وصلتها الجملة، أي الذي هو حديث الرواحل، ثم حذف صدر الجملة كما حذف في (تماما على الذي أحسن (6)) ويجوز أن يرفع بجعلها استفهامية (7) بمعنى أي.