نقول: ما الذي يدل على أنهم كانوا راضين بها، والرضا من أفعال القلوب لا يعلمه إلا الله تعالى.
ثم يقال لهم: قد علمنا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تأخر عن البيعة، وامتنع منها علما لا يتخالجنا فيه الشك، واختلف الناس في مدة تأخرها، فمنهم من قال ستة أشهر، ومنهم من قال أربعين يوما (1) ومنهم من قال أقل وأكثر، وذلك يدل على إنكاره للبيعة وتسخطه لها، فمن أدعى أنه بايع بعد ذلك مختارا راضيا بالبيعة فعليه الدلالة.
فان قيل: لو لم يكن راضيا بها لأنكر لأنه كان يتعين عليه الانكار من حيث أن ما ارتكبوه قبيح، ومن حيث أنه دفع عن مقامه واستحقاقه، فلما لم ينكر دل على أنه كان راضيا.
قيل: ولم زعمتم أنه لا وجه لترك النكير إلا الرضا دون غيره، لأنه إذا كان ترك النكير قد يقع ويكون الداعي إليه غير الرضا، كما قد يدعو إليه الرضا، فليس لأحد أن يجعل فقده دليل الرضا، والنكير قد يرتفع لأمور منها التقية و الخوف على النفس وما جرى مجراها، ومنها العلم أو الظن بأنه يعقب من النكير ما هو أعظم من المنكر الذي يراد انكاره، ومنها الاستغناء منه بنكير تقدم وأمور ظهرت ترفع اللبس والابهام في الرضا بمثله، ومنها أن يكون للرضا، وإذا كان ترك النكير منقسما لم يكن لاحد أن يخصه بوجه واحد، وإنما يكون ترك النكير دلالة على الرضا في الموضع الذي لا يكون له وجه سوى الرضا، فمن أين لهم أنه لا .