بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٩ - الصفحة ٢٣٧
في جند من الشيطان فتبدى (1) لهم في سورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني ثم المدلجي، وكان من أشراف كنانة فقال لهم: " لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم " أي مجير لكم من كنانة، فلما رأى إبليس الملائكة نزلوا من السماء و علم أنه لا طاقة له بهم نكص على عقبيه عن ابن عباس وغيره، وقيل: إنهم لما التقوا كان إبليس في صف المشركين آخذا بيد الحارث بن هشام فنكص على عقبيه فقال له الحارث: يا سراق (2) أين؟ أتخذلنا على هذه الحالة؟ فقال له: إني أرى ما لا ترون فقال: والله ما ترى إلا جعاسيس (3) يثرب فدفع في صدر الحارث وانطلق وانهزم الناس، فلما قدموا مكة فقالوا: هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال:
والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم، قالوا: إنك أتيتنا يوم كذا، فحلف لهم، فلما أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان، روي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وقيل: إن إبليس لا يجوز أن يقدر على خلع صورته ولبس صورة سراقة، ولكن الله جعل إبليس في صورة سراقة علما للنبي صلى الله عليه وآله، وإنما فعل ذلك لأنه علم أنه لو لم يدع المشركين إنسان إلى قتال المسلمين فإنهم لا يخرجون من ديارهم حتى يقاتلوهم (4) المسلمون. لخوفهم من بني كنانة، فصوره بصورة سراقة حتى تم المراد في إعزاز الدين، عن الجبائي وجماعة، وقيل: إن إبليس لم يتصور في صورة إنسان، وإنما قال ذلك لهم على وجه الوسوسة عن الحسن، والأول هو المشهور في التفاسير.
ورأيت في كلام الشيخ المفيد رضي الله عنه أنه يجوز أن يقدر الله تعالى الجن ومن جرى مجراهم على أن يتجمعوا ويعتمدوا ببعض جواهرهم على بعض حتى

(١) تبدى: ظهر.
(٢) في المصدر: يا سراقة.
(٣) في المصدر: ما نرى الا جعاسيس يثرب. وفى النهاية: الجعاسيس: اللئام في الخلق والخلق، والواحد جعسوس بالضم ومنه الحديث: أتخوفنا بجعاسيس يثرب.
(4) في المصدر: حتى يقاتلهم المسلون.
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»
الفهرست