بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٩ - الصفحة ٢٣٦
قال ابن عباس: لما رأى أبو سفيان أنه أحرز عيره أرسل إلى قريش أن ارجعوا، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدرا - وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام - فنقيم بها ثلاثا، وننحر الجزر، ونطعم الطعام ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فوافوها فسقوا كؤوس المنايا، وناحت عليهم النوائح " وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم " أي حسنها في نفوسهم، وذلك أن إبليس حسن لقريش مسيرهم إلى بدر لقتال النبي صلى الله عليه وآله، وقال: " لا غالب لكم اليوم من الناس " أي لا يغلبكم أحد من الناس لكثرة عددكم وقوتكم، " وإني " مع ذلك " جار لكم " أي ناصر لكم، و دافع عنكم السوء، وقيل: معناه وإني عاقد لكم عقد الأمان من عدوكم " فلما تراءت الفئتان " أي التقت الفرقتان " نكص على عقبيه " أي رجع القهقرى منهزما وراءه " وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون " أي رجعت عما كنت ضمنت لكم من الأمان والسلامة، لأني أرى من الملائكة الذين جاؤوا لنصر المسلمين ما لا ترون، و كان إبليس يعرف الملائكة وهم كانوا لا يعرفونه " إني أخاف الله " أي أخاف عذاب الله على أيدي من أراهم " والله شديد العقاب " لا يطاق عقابه، وقيل: معناه إني أخاف أن يكون قد حل الوقت الذي انظرت إليه، فان الملائكة لا ينزلون إلا لقيام الساعة أو للعقاب، وقال قتادة: كذب عدو الله ما به من مخافة، ولكنه علم أنه لا قوة له ولا منعة، وذلك عادة عدو الله لمن أطاعه حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم، وتبرأ منهم، وعلى هذا فيكون قوله: " أرى ما لا ترون " معناه أعلم ما لا تعلمون، وأخاف الله أن يهلكني فيمن يهلك، واختلف في ظهور الشيطان يوم بدر كيف كان؟ فقيل: إن قريشا لما أجمعت للمسير ذكرت الذي (1) بينها وبين بني بكر بن عبد مناة (2) بن كنانة من الحرب، فكاد ذلك أن يثنيهم، (3) فجاء إبليس

(1) في نسخة: ذكرت التي.
(2) في المصدر: عبد مناف. والظاهر أنه مصحف ولعله من النساخ، ذكر ابن هشام في السيرة الحرب بين كنانة وقريش وتحاجزهم عند وقعة بدر، وفيه مثل ما في الكتاب: عند مناة.
راجع السيرة 2: 248.
(3) أي يصرفهم عن ذلك وفي نسخة يثبطهم. ويقال ثبطه عن الامر أي أثقله وأقعده وشغله عنه.
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»
الفهرست