بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٧ - الصفحة ٩٥
فقد منعه من القبيح، فأجروا عليه لفظة المانع قهرا وقسرا، وأهل اللغة يتعارفون ذلك أيضا ويستعملونه، لأنهم يقولون فيمن أشار على غيره برأي فقبله منه مختارا واحتمى بذلك من ضرر يلحقه وسوء يناله: إنه حماه من ذلك الضرر ومنعه وعصمه منه، وإن كان ذلك على سبيل الاختيار.
فان قيل: أفتقولون فيمن لطف له بما اختار عنده الامتناع من فعل واحد قبيح:
إنه معصوم؟ قلنا: نقول ذلك مضافا ولا نطلقه، فنقول: إنه معصوم من كذا، ولا نطلق فيوهم أنه معصوم من جميع القبائح، ونطلق في الأنبياء والأئمة عليهم السلام العصمة بلا تقييد، لأنهم (1) لا يفعلون شيئا من القبائح بخلاف ما تقوله المعتزلة من نفي الكبائر عنهم دون الصغائر فإن قيل: فإذا كان تفسير العصمة ما ذكرتم فالأعصم الله جميع المكلفين وفعل بهم ما يختارون عنده الامتناع من القبائح؟
قلنا: كل من علم الله أن له لطفا يختار عنده الامتناع من القبائح فإنه لابد أن يفعل به وإن لم يكن نبيا ولا إماما، لان التكليف يقتضي فعل اللطف على ما دل عليه في مواضع كثيرة، غير أنه يكون في المكلفين (2) من ليس في المعلوم أن شيئا متى فعل اختار عنده الامتناع من القبيح، فيكون هذا المكلف لا عصمة له في المعلوم ولا لطف، وتكليف من لا لطف له يحسن ولا يقبح، وإنما القبيح منع اللطف فيمن له لطف مع ثبوت التكليف، فأما قول بعضهم: إن العصمة هي الشهادة من الله تعالى بالاستعصام فباطل، لان الشهادة لا تجعل الشئ على ما هو به، وإنما تتعلق به على ما هو على، لان الشهادة هي الخبر، والخبر عن كون الشئ على صفة لا يؤثر في كونه عليها، فتحتاج أولا إلى أن يتقدم لنا العلم بأن زيدا معصوم أو معتصم ونوضح عن معنى ذلك، ثم تكون الشهادة من بعد مطابقة لهذا العلم، وهذا بمنزلة من سأل عن حد المتحرك فقال: هو الشهادة بأنه متحرك، أو المعلوم أنه على هذه الصفة، وفي هذا البيان كفاية لمن تأمله. انتهى (3)

(١) في المصدر: لأنهم عندنا لا يفعلون.
(٢) في المصدر: غير أنه لا يمتنع أن يكون في المكلفين.
(٣) الغرر والدرر: ٣٩٣ و 394 ط إيران وطبعت تلك المسألة مستقلة بعنوان مسألة في العصمة ضمن عدة من الكتب المسماة بكلمات المحققين راجع ص 203 من تلك المجموعة.
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 13: وجوب طاعته وحبه والتفويض إليه صلى الله عليه وآله وفيه 29 حديثا. 1
3 باب 14: باب العشرة معه وتفخيمه وتوقيره في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وفيه 16 حديثا. 15
4 باب 15: عصمته وتأويل بعض ما يوهم خلاف ذلك فيه 21 حديثا. 34
5 باب 16: سهوه ونومه صلى الله عليه وآله عن الصلاة، فيه 17 حديثا. 97
6 باب 17: علمه صلى الله عليه وآله وما دفع إليه من الكتب والوصايا وآثار الأنبياء عليهم السلام ومن دفعه إليه وعرض الأعمال عليه وعرض أمته عليه وأنه يقدر على معجزات الأنبياء فيه 62 حديثا. 130
7 باب 18: فصاحته وبلاغته صلى الله عليه وآله فيه حديثان. 156
8 * أبواب معجزاته صلى الله عليه وآله * باب 1: إعجاز أم المعجزات: القرآن الكريم وفيه بيان حقيقة الإعجاز وبعض النوادر. فيه 24 حديثا. 159
9 باب 2: جوامع معجزاته صلى الله عليه وآله ونوادرها. فيه 18 حديثا. 225
10 باب 3: ما ظهر له صلى الله عليه وآله شاهدا على حقيته من المعجزات السماوية والغرائب العلوية من انشقاق القمر و رد الشمس وحبسها وإضلال الغمامة وظهور الشهب ونزول الموائد والنعم من السماء وما يشاكل ذلك زائدا على ما مضى في باب جوامع المعجزات فيه 19 حديثا. 347
11 باب 4: معجزاته صلى الله عليه وآله في إطاعة الأرضيات من الجمادات والنباتات له وتكلمها معه صلى الله عليه وآله. فيه 59 حديثا. 363
12 باب 5: ما ظهر من إعجازه صلى الله عليه وآله في الحيوانات بأنواعها وإخبارها بحقيته، وفيه كلام الشاة المسمومة زائدا على ما مر في باب جوامع المعجزات. فيه 47 حديثا. 390