كما في قوله: " يا أيها الانسان ما غرك (1) * ويا أيها الانسان إنك كادح (2) " ولما ذكر لهم (3) ما يزيل ذلك الشك عنهم حذرهم من أن يلتحقوا بالقسم الثاني وهم المكذبون، فقال: " ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين (4) " ثم اختلفوا في أن المسؤول عنه من هم، فقال المحققون: هم الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله ابن سلام، وعبد الله بن صوريا، وتميم الداري، وكعب الأحبار، لأنهم هم الذين يوثق بخبرهم، ومنهم من قال: الكل، سواء كانوا من المسلمين أو الكفار، لأنهم إذا بلغوا عدد التواتر ثم قرؤا آية من التوراة أو الإنجيل وتلك الآية دالة على البشارة بمحمد صلى الله عليه وآله فقد حصل الغرض.
فإن قيل: إذا كان مذهبكم أن هذه الكتب قد دخلها التحريف والتغيير فكيف يمكن التعويل عليها؟
قلت: إنما حرفوها بسبب إخفاء الآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله، فإن بقيت فيها آيات دالة على نبوته صلى الله عليه وآله كان ذلك من أقوى الدلائل على صحة نبوته، لأنها لما بقيت مع توفر دواعيهم على إزالتها دل ذلك على أنها كانت في غاية الظهور، وأما أن المقصود من ذلك السؤال معرفة أي الأشياء ففيه قولان: الأول أنه القرآن، ومعرفة نبوة الرسول صلى الله عليه وآله.
والثاني: أنه رجع ذلك إلى قوله تعالى: " فما اختلفوا حتى جاءهم العلم (5) " والأول أولى لأنه هو الأهم، والحاجة إلى معرفته أتم.
واعلم أنه تعالى لما بين هذا الطريق قال بعده: " لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين " والمعنى ثبت عندك بالآيات والبراهين القاطعة أن ما أتاك هو