أقول: على أنه يحتمل أن يكون من قبيل الخطاب العام، أو يكون الخطاب متوجها إليه صلى الله عليه وآله والمراد به أمته كما مر مرارا، وسيأتي تأويل قوله تعالى: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى " في باب قصة بدر.
قوله تعالى: " عفا الله عنك " قال الرازي في تفسيره: احتج بعضهم بهذه الآية على صدور الذنب عن الرسول صلى الله عليه وآله من وجهين:
الأول: أنه تعالى قال: " عفى الله عنك " والعفو يستدعي سابقة الذنب.
والثاني: أنه تعالى قال: " لم أذنت لهم " وهذا استفهام بمعنى الانكار، فدل هذا على أن ذلك الاذن كان معصية.
والجواب عن الأول لا نسلم أن قوله: " عفا الله عنك " يوجب الذنب " ولم لا يجوز أن يقال: إن ذلك يدل على مبالغة الله تعالى في تعظيمه وتوقيره، كما يقول الرجل لغيره إذا كان معظما عنده: عفا الله عنك ما صنعت في أمري، ورضي الله عنك ما جوابك عن كلامي، وعافاك الله لا عرفت حقي، فلا يكون غرضه من هذا الكلام إلا مزيد التبجيل و التعظيم، وقال علي بن الجهم فيما يخاطب به المتوكل وقد أمر بنفيه:
عفا الله عنك ألا حرمة * يجوز بفضلك عن ابعدا والجواب عن الثاني: أن نقول: لا يجوز أن يكون المراد بقوله: " لم أذنت لهم (1) " الانكار، لأنا نقول: إما أن يكون صدر عن الرسل ذنب في هذه الواقعة أو لم يصدر عنه ذنب، فإن قلنا: إنه ما صدر عنه امتنع على هذا التقدير أن يكون قوله: " لم أذنت لهم " انكارا عليه، وإن قلنا: إنه كان قد صدر عنه ذنب فقوله: " عفا الله عنك لم أذنت لهم " يدل على حصول العفو عنه، وبعد حصول العفو عنه يستحيل أن يتوجه الانكار عليه، فثبت، أن على جميع التقادير يمتنع أن يقال: إن قوله: " لم أذنت لهم " يدل على كون الرسول صلى الله عليه وآله مذنبا، وهذا جواب شاف قاطع، وعند هذا يحمل قوله: لم " أذنت لهم "