على ترك الأولى والأكمل، لا سيما وهذه الواقعة كانت من أحسن ما يتعلق بالحروب و مصالح الدنيا انتهى (1).
وقال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب تنزيه الأنبياء: أما قوله تعالى " عفا الله عنك " فليس يقتضي وقوع معصية، ولا غفران عقاب، ولا يمتنع أن يكون المقصد (2) به التعظيم والملاطفة في المخاطبة، لان أحدنا قد يقول لغيره إذا خاطبه: أرأيت رحمك الله و غفر الله لك، وهو يقصد إلى الاستصفاح له عن عقاب ذنوبه، بل ربما لم يخطر بباله أن له ذنبا، وإنما الغرض الاجمال في المخاطبة، واستعمال ما قد صار في العادة علما على تعظيم المخاطب وتوقيره، وأما قوله تعالى: " لم أذنت لهم " فظاهره الاستفهام، والمراد به التقرير واستخراج ذكر علة إذنه، وليس بواجب حمل ذلك على العتاب، لان أحدنا قد يقول لغيره: لم فعلت كذا وكذا؟ تارة معاتبا، وأخرى مستفهما، وتارة مقررا، فليست هذه اللفظة خاصة للعتاب والانكار، وأكثر ما يقتضيه وغاية ما يمكن أن يدعى فيها أن تكون دالة على أنه صلى الله عليه وآله ترك الأولى والأفضل، وقد بينا أن ترك الأولى ليس بذنب، وإن كان الثواب ينقص معه، فإن الأنبياء عليهم السلام يجوز أن يتركوا كثيرا من النوافل، وقد يقول أحدنا لغيره إذا ترك الندب: لم تركت الأفضل؟ ولم عدلت عن الأولى؟ ولا يقتضي ذلك إنكارا ولا قبيحا (3) انتهي كلامه، زيد إكرامه.
أقول: يجوز أن يكون إذنه صلى الله عليه وآله لهم حسنا موافقا لامره تعالى، ويكون العتاب متوجها إلى المستأذنين الذين علم الله من قبلهم النفاق، أو إلى جماعة حملوا النبي صلى الله عليه وآله على ذلك كما مر مرارا، ومن هذا القبيل قوله تعالى: " يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله (4) " ولا تنافي بين كون استيذانهم حراما وإذنه صلى الله عليه وآله بحسب ما يظهرونه من الاعذار ظاهرا واجبا أو مباحا، أو تركا للأولى