قوله تعالى: " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك " قال الرازي في تفسيره: اختلف المفسرون في أن المخاطب بهذا الخطاب من هو، فقيل: هو النبي صلى الله عليه وآله، وقيل: غيره، فأما من قال بالأول فاختلوا فيه على وجوه:
الأول: أن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وآله في الظاهر، والمراد غيره كقوله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء (1) " وكقوله: " يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين و المنافقين (2) " وكقوله: " لئن أشركت ليحبطن عملك (3) " وكقوله لعيسى عليه السلام " أأنت قلت للناس (4) " ومن الأمثلة المشهورة: إياك أعني واسمعي يا جارة، والذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه: الأول: قوله تعالى في آخر السورة: " يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني (5) " فبين أن المذكور في أول الآية على سبيل الرمز هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح.
والثاني: أن الرسول لو كان شاكا في نبوة نفسه لكان شك غيره في نبوته أولى، و هذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية.
والثالث: أن بتقدير أن يكون شاكا في نبوة نفسه فكيف تزول ذلك الشك بإخبار أهل الكتاب عن نبوته؟ مع أنهم في الأكثر كانوا كفارا، وإن حصل فيهم من كان مؤمنا، إلا أن قوله ليس بحجة، لا سيما وقد تقرر أن ما في أيديهم من التوراة و الإنجيل مصحف محرف، فثبت أن الحق هو أن هذا الخطاب وإن كان في الظاهر مع الرسول إلا أن المراد هو الأمة، ومثل هذا معتاد فإن السلطان الكبير إذا كان له أمير وكان تحت راية ذلك الأمير جمع فإذا أراد أن يأمر الرعية بأمر مخصوص فإنه لا يوجه خطابه عليهم، بل يوجه ذلك الخطاب على ذلك الأمير الذي أمره عليهم (6)، ليكون