فلم ينته، فقال: عجبا لهذا الذئب، فقال: يا هذا أعجب (1) مني، محمد بن عبد الله القرشي يدعوكم ببطن مكة إلى قوله: لا إله إلا الله يضمن لكم عليه الجنة وتأبون عليه، فقال الراعي: يا لك من طامة، من يرعى الغنم حتى آتيه فأؤمن به؟ قال الذئب: أنا أرعى الغنم فخرج ودخل مع رسول الله في الاسلام.
ثم قال جابر: ولقد تكلم بعير كان لآل النجار شرد عنهم (2) ومنعهم ظهره، فاحتالوا له بكل حيلة فلم يجدوا إلى أخذه من سبيل، فأخبروا النبي صلى الله عليه وآله فخرج إليه فلما بصر به البعير برك خاضعا باكيا، فالتفت النبي إلى بني النجار فقال: إلا إنه يشكوكم أنكم قللتم علفه وأثقلتم ظهره، فقالوا: إنه ذو منعة لا يتمكن منه (3)، فقال: انطلق مع أهلك، فانطلق ذليلا.
ثم قال: جابر لقد تكلم ظبية اصطادها قوم من الصحابة فشدوها إلى جانب رحلهم، فمر النبي صلى الله عليه وآله فنادته يا نبي الله، يا رسول الله، فقال: أيتها النجداء ما شأنك؟ قالت:
إني حافل ولي خشفان، فخلني حتى أرضعهما وأعود (4)، فأطلقها ثم مضى، فلما رجع إذا الظبية قائمة، فجعل النبي صلى الله عليه وآله يوثقها، فحس أهل الرحل به فحدثهم بحديثها، قالوا: وهي لك، فأطلقها فتكلمت بالشهادتين (5).
بيان: المبقلة: موضع البقل، ويقال: كل نبات اخضرت له الأرض فهو بقل، والثمل محركة، السكر، وتثمل ما في الاناء: تحساه، والرابية: ما ارتفع من الأرض، قوله: يا لك من طامة، النداء للتعجب، نحويا للماء، و " من " للبيان، والطامة: الامر العظيم، والداهية الكبرى، والنجد: ما أشرف من الأرض، والدليل الماهر، والشجاع الماضي فيما يعجز غيره، والكرب والغم، والنجود من الإبل والأتن: الطويلة العنق،