ومن ذلك أنه أقبل من تبوك فجهدوا عطشا وبادر الناس إليه يقولون: الماء الماء يا رسول الله، فقال لأبي هريرة: هل معك من الماء شئ؟ قال: كقدر قدح في ميضاتي قال:
هلم ميضاتك، فصب ما فيه في قدح ودعا وأوعاه (1) وقال: ناد من أراد الماء. فأقبلوا يقولون: الماء يا رسول الله، فما زال يسكب وأبو هريرة يسقي حتى روي القوم أجمعون، و ملأوا ما معهم، ثم قال لأبي هريرة: اشرب، فقال: بل آخركم شربا، فشرب رسول الله صلى الله عليه وآله وشرب.
ومن ذلك أن أخت عبد الله بن رواحة الأنصاري مرت به أيام حفرهم الخندق فقال لها: أين تريدين (2)؟ قالت: إلى عبد الله بهذه التمرات، فقال: هاتيهن فنثرت في كفه، ثم دعا بالأنطاع وفرقها عليها وغطاها بالأزر، وقام وصلى ففاض التمر على الأنطاع، ثم نادى هلموا وكلوا، فأكلوا وشبعوا وحملوا معهم ودفع ما بقي إليها.
ومن ذلك أنه كان في سفر فأجهدوا جوعا، فقال: من كان معه زاد فليأتنا به فأتاه نفر منهم بمقدار صاع، فدعا بالأزر والأنطاع ثم صب (3) التمر عليها (4)، ودعا ربه فأكثر الله ذلك التمر حتى كان أزوادهم إلى المدينة.
ومن ذلك أنه أقبل من بعض أسفاره فأتاه قوم فقالوا: يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان القيظ (5) اجتمعنا عليها، وإذا كان الشتاء تفرقنا على مياه حولنا، وقد صار من حولنا عدوا لنا فادع الله في بئرنا فتفل صلى الله عليه وآله في بئرهم ففاضت المياه المغيبة، وكانوا لا يقدرون أن ينظروا إلى قعرها بعد من كثرة مائها، فبلغ ذلك مسيلمة الكذاب فحاول مثله من قليب قليل ماؤه فتفل الأنكد في القليب فغار ماؤه، وصار كالجبوب.
ومن ذلك أن سراقة بن جعشم حين وجهه قريش في طلبه ناوله نبلا من كنانته و قال له: ستمر برعاتي فإذا وصلت إليهم فهذا علامتي، أطعم عندهم واشرب، فلما انتهى