ومن ذلك أن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: " دخلت السوق فابتعت لحما بدرهم، وذرة بدرهم، وأتيت (1) فاطمة عليها السلام حتى إذا فرغت من الخبز والطبخ قالت: لو دعوت أبي: فأتيته وهو مضطجع وهو يقول: أعوذ بالله من الجوع ضجيعا فقلت له: يا رسول الله إن عندنا طعاما، فقام واتكأ علي ومضينا نحو فاطمة عليه السلام، فلما دخلنا قال: هلم طعامك يا فاطمة، فقدمت إليه البرمة والقرص، فغطى القرص وقال: " اللهم بارك لنا في طعامنا " ثم قال: اغرفي لعائشة، فغرفت، ثم قال: اغرفي لام سلمة (2)، فما زالت: تغرف حتى وجهت إلى نسائه التسع قرصة قرصة ومرقا، ثم قال: اغرفي لابنيك وبعلك، ثم قال:
اغرفي وكلي وأهدي لجاراتك، ففعلت وبقي عندهم أياما يأكلون.
ومن ذلك أن امرأة عبد الله بن مسلم أتته بشاة مسمومة، ومع النبي صلى الله عليه وآله بشر بن البراء بن عازب، فتناول النبي صلى الله عليه وآله الذراع، وتناول بشر الكراع، فأما النبي صلى الله عليه وآله فلاكها ولفظها، وقال: إنها لتخبرني أنها مسمومة، وأما بشر فلاك المضغة وابتلعها فمات، فأرسل إليها فأقرت، فقال: ما حملك على ما فعلت؟ قالت: قلت زوجي وأشراف قومي، فقلت: إن كان ملكا قتلته، وإن كان نبيا فسيطلعه الله تبارك وتعالى على ذلك.
ومن ذلك أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: رأيت الناس يوم الخندق يحفرون وهم خماص (3)، ورأيت النبي صلى الله عليه وآله يحفر وبطنه خميص، فأتيت أهلي فأخبرتها، فقالت:
ما عندنا إلا هذه الشاة، ومحرز من ذرة قال فاخبزي، وذبح الشاة وطبخوا شقها وشووا الباقي حتى إذا أدرك أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله اتخذت طعاما فأتني أنت ومن أحببت، فشبك أصابعه في يده، ثم نادى ألا إن جابرا يدعوكم إلى طعامه، فأتى أهله مذعورا خجلا فقال لها: هي الفضيحة قد جفل (4) بها أجمعين، فقالت: أنت دعوتهم أم هو قال:
هو، قالت: فهو أعلم بهم، فلما رآنا أمر بالأنطاع (5)، فبسطت على الشوارع، وأمره