بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٧ - الصفحة ٢٢٣
إلى أن خلق المعجزة على يد الكاذب مقدور لله تعالى، لعموم قدرته، لكنه ممتنع وقوعه في حكمته، لان فيه إيهام صدقه وهو قبيح من الله، فيمتنع صدوره عنه كسائر القبائح، فعلى هذا يتوقف على العلم بوجود الصانع وعموم علمه وقدرته وامتناع صدور القبيح منه، وقالت الأشاعرة: جرت عادة الله تعالى بخلق العلم بالصدق عقيب ظهور المعجزة، فإن إظهار المعجز على يد الكاذب وإن كان ممكنا عقلا فمعلوم انتفاؤه عادة، فلا تكون دلالته عقلية لتخلف الصدق عنه في الكاذب، بل عادية كسائر العاديات، لان من قال: أنا نبي ثم نتق الجبل (1) وأوقفه على رؤوسهم وقال: إن كذبتموني وقع عليكم، وإن صدقتموني انصرف عنكم، فكلما هموا بتصديقه بعد عنهم، وإذا هموا بتكذيبه قرب منهم علم بالضرورة أنه صادق في دعواه والعادة قاضية بامتناع ذلك من الكاذب، مع كونه ممكنا منه إمكانا عقليا لشمول قدرته للممكنات بأسرها، وقد ضربوا لذلك مثلا قالوا: إذا ادعى الرجل بمشهد الجم الغفير أني رسول هذا الملك إليكم، ثم قال للملك: إن كنت صادقا فخالف عادتك وقم من الموضع المعتاد من السرير، وانتقل بمكان لا تعتاده، ففعل كان ذلك نازلا منزلة التصديق بصريح مقاله ولم يشك أحد في صدقه بقرينة الحال وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد، بل ندعي في إفادته العلم بالضرورة العادية، ونذكر هذا المثال للتفهيم.
الثالث: في بيان إعجاز القرآن ووجهه زائدا على ما تقدم، وهو أنه صلى الله عليه وآله تحدى بالقرآن، ودعا إلى الاتيان بسورة مثله مصاقع (2) البلغاء والفصحاء من العرب العرباء (3) مع كثرتهم كثرة رمال الدهناء (4)، وحصى البطحاء، وشهرتهم بغاية العصبية، وحمية الجاهلية، وتهالكهم على المباهات والمبارات، والدفاع عن الأحساب، وركوب الشطط في هذا الباب، فعجزوا حتى آثروا المقارعة على المعارضة، وبذلوا المهج والأرواح دون المدافعة، فلو قدروا على المعارضة لعارضوا ولو عارضوا لنقل إلينا. لتوفر الدواعي وعدم الصارف، والعلم

(1) أي قلع الجبل إشارة ورفعه فوق رؤوسهم.
(2) المصاقع جمع المصقع: البليغ. العالي الصوت. من لا يرتج عليه في كلامه.
(3) العرب العرباء: الصرحاء الخلص.
(4) الدهناء: الفلاة.
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 13: وجوب طاعته وحبه والتفويض إليه صلى الله عليه وآله وفيه 29 حديثا. 1
3 باب 14: باب العشرة معه وتفخيمه وتوقيره في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وفيه 16 حديثا. 15
4 باب 15: عصمته وتأويل بعض ما يوهم خلاف ذلك فيه 21 حديثا. 34
5 باب 16: سهوه ونومه صلى الله عليه وآله عن الصلاة، فيه 17 حديثا. 97
6 باب 17: علمه صلى الله عليه وآله وما دفع إليه من الكتب والوصايا وآثار الأنبياء عليهم السلام ومن دفعه إليه وعرض الأعمال عليه وعرض أمته عليه وأنه يقدر على معجزات الأنبياء فيه 62 حديثا. 130
7 باب 18: فصاحته وبلاغته صلى الله عليه وآله فيه حديثان. 156
8 * أبواب معجزاته صلى الله عليه وآله * باب 1: إعجاز أم المعجزات: القرآن الكريم وفيه بيان حقيقة الإعجاز وبعض النوادر. فيه 24 حديثا. 159
9 باب 2: جوامع معجزاته صلى الله عليه وآله ونوادرها. فيه 18 حديثا. 225
10 باب 3: ما ظهر له صلى الله عليه وآله شاهدا على حقيته من المعجزات السماوية والغرائب العلوية من انشقاق القمر و رد الشمس وحبسها وإضلال الغمامة وظهور الشهب ونزول الموائد والنعم من السماء وما يشاكل ذلك زائدا على ما مضى في باب جوامع المعجزات فيه 19 حديثا. 347
11 باب 4: معجزاته صلى الله عليه وآله في إطاعة الأرضيات من الجمادات والنباتات له وتكلمها معه صلى الله عليه وآله. فيه 59 حديثا. 363
12 باب 5: ما ظهر من إعجازه صلى الله عليه وآله في الحيوانات بأنواعها وإخبارها بحقيته، وفيه كلام الشاة المسمومة زائدا على ما مر في باب جوامع المعجزات. فيه 47 حديثا. 390