أولى، فبهذا الطريق ثبت في فؤاده أن القوم عاجزون عن المعارضة لا محالة وثامنها: أن السفارة بين الله وبين أنبيائه وتبليغ كلامه إلى الخلق منصب عظيم، فيحتمل أن يقال: إنه تعالى لو أنزل القرآن على محمد دفعة واحدة لبطل المنصب على جبرئيل عليه السلام، فلما أنزله مفرقا منجما بقي ذلك المنصب العالي عليه (1).
والترتيل في الكلام أن يأتي بعضه على أثر بعض على توءدة ومهل.
قوله تعالى: " على قلبك " أي فهمك إياه، وأثبته في قلبك إثبات ما لا ينسى، و الباء في قوله: " بلسان " إما أن يتعلق بالمنذرين، فالمعنى فتكون من الذين، أنذروا بهذا اللسان، وإما أن يتعلق بنزل، فالمعنى أنزله باللسان العربي لتنذر به، لأنه لو أنزله باللسان الأعجمي لقالوا: ما نصنع بما لا نفهمه؟
وأما قوله: " وإنه لفي زبر الأولين " فيحتمل هذه الأخبار خاصة، أو صفة القرآن أو صفة محمد صلى الله عليه وآله، أو المراد وجوه التخويف " أو لم يكن لهم آية " حجة ثانية على نبوته صلى الله عليه وآله؟ وتقريره أن جماعة من علماء بني إسرائيل أسلموا ونصوا على مواضع في التوراة والإنجيل ذكر فيها الرسول صلى الله عليه وآله بنعته وصفته، وقد كان مشركو قريش يذهبون إلى اليهود ويتعرفون منهم هذا الخبر، وهذا يدل دلالة ظاهرة على نبوته صلى الله عليه وآله (2).
أقول: قوله تعالى: " لا يؤمنون به " إخبار بعدم إيمان هؤلاء المكذبين المعاندين، و كذا قوله تعالى: " عسى أن يكون ردف لكم " أي تبعكم ولحقكم، إخبار بما وقع عليهم قريبا في غزوة بدر، وقد مر أن عسى من الله تعالى موحبة.
قوله تعالى: " أكثر الذي هم فيه يختلفون " قال البيضاوي: كالتشبيه والتنزيه و أحوال الجنة والنار وعزير والمسيح (3).
قوله تعالى: " لرادك إلى معاد " قال الرازي: قيل: المراد به مكة، وارتداده إليها يوم الفتح، وتنكيره لتعظيمه، لأنه لكان له فيه شأن عظيم من استيلائه عليها، و