أي كما ارسل به الأولون، مثل اليد البيضاء، والعصا، وإبراء الأكمه، وإحياء الموتى " ما آمنت قبلهم من قرية " أي من أهل قرية " أهلكناها " باقتراح الآيات لما جاءتهم " أفهم يؤمنون " لو جئتهم بها وهم أطغى منهم، وفيه دليل (1) على أن عدم الاتيان بالمقترح للابقاء عليهم، إذ لو أتى به لم يؤمنوا واستوجبوا عذاب الاستيصال كمن قبلهم (2).
قوله: " إن هذا إلا إفك افتراه " قال الرازي: قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث، وهو الذي قال هذا القول: " وأعانه عليه قوم آخرون " يعني عامرا (3) مولى حويطب بن عبد العزى، ويسارا غلام عامر بن الحضرمي، وجبيرا مولى عامر، هؤلاء الثلاثة كانوا من أهل الكتاب، وكانوا يقرؤون التوراة ويحدثون أحاديث منها، فلما أسلموا وكان النبي صلى الله عليه وآله يتعهدهم فلأجل ذلك قال النضر ما قال، فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله: " فقد جاؤوا ظلما وزورا " وإنما كفى هذا القدر جوابا لأنه قد علم كل عاقل أنه صلى الله عليه وآله تحداهم بالقرآن، وهو النهاية في الفصاحة، وقد بلغوا في الخوض (4) على إبطال أمره كل غاية حتى أحوجهم ذلك إلى ما وصفوه به في هذه الآية، فلو أمكنهم أن يعارضوه لفعلوا، ولكان ذلك أقرب إلى أن يبلغوا مرادهم مما أوردوه في هذه الآيات وغيرها، ولو استعان صلى الله عليه وآله بغيره في ذلك لأمكنهم أيضا أن يستعينوا بغيرهم، لأنه صلى الله عليه وآله كأولئك في معرفة اللغة، والمكنة في العبارة (5)، فلما لم يبلغوا ذلك والحالة هذه علم أن القرآن قد بلغ الغاية في الفصاحة، وانتهى إلى حد الاعجاز، ولما تقدمت هذه الدلالة مرات وكرات في القرآن وظهر بسببها سقوط هذا السؤال ظهر أن إعادة هذا السؤال بعد تقدم تلك الدلالة الواضحة لا يكون إلا التمادي في الجهل والعناد، فلذلك اكتفى الله في الجواب بقوله: " فقد جاؤوا ظلما وزورا ".