الثاني: أن المراد لا نظهر هذه المعجزات، لان آباءكم الذين رأوها لم يؤمنوا بها وأنتم مقلدون لهم، فأنتم لو رأيتموها لم تؤمنوا بها أيضا.
الثالث: أن الأولين شاهدوا هذه المعجزات وكذبوها، فعلم الله منكم أيضا أنكم لو شاهدتموها لكذبتم بها، فكان إظهارها عبثا، والعبث لا يفعله الحكيم (1).
قوله: " لئن اجتمعت الإنس والجن " قال الرازي: فإن قيل: هب إنه ظهر عجز الانسان عن معارضته، فكيف عرفتم عجز الجن؟ وأيضا فلم لا يجوز أن يقال: إن هذا القرآن نظم الجن ألقوه على محمد صلى الله عليه وآله.
أجاب العلماء عن الأول بأن عجز البشر عن معارضته يكفي في إثبات كونه معجزا.
وعن الثاني أن ذلك لو وقع لوجب في حكمة الله أن يظهر ذلك التلبيس، وحيث لم يظهر ذلك دل على عدمه (2).
قوله تعالى: " ولم يجعل له عوجا " قال الرازي: إنا قد ذكرنا أن الشئ يجب أن يكون كاملا في ذاته، ثم يكون مكملا لغيره، فقوله: " ولم يجعل له عوجا " إشارة إلى كونه كاملا في ذاته، وقوله: " قيما " إلى كونه مكملا لغيره، لان القيم عبارة عن القائم بمصالح الغير.
وفي نفي العوج وجوه:
أحدها: نفي التناقض عن آياته.
وثانيها: أن كل ما ذكره الله فيه من التوحيد والنبوة والاحكام والتكاليف فهو حق وصدق، ولا خلل في شئ منها البتة.
وثالثها: أن الانسان كأنه خرج من عالم الغيب متوجها إلى عالم الآخرة، وإلى حضرة جلال الله، وهذه الدنيا كأنها رباط بني على حد عالم القيامة (3)، حتى