أنها مطابقة لما في التوراة والإنجيل، مع أنه ما طالعها ولا تلمذ لاحد فيها، فليس إلا بوحي منه تعالى.
والثاني: أن كتب الله المنزلة دلت على مقدم محمد صلى الله عليه وآله، وإذا كان الامر كذلك كان مجيئه صلى الله عليه وآله تصديقا لما في تلك الكتب.
الثالث: أنه أخبر في القرآن عن الغيوب الكثيرة في المستقبل، فوقعت مطابقة لذلك الخبر، كقوله تعالى: " ألم غلبت الروم (1) " وكقوله تعالى: لقد صدق الله رسوله الرؤيا (2) " وكقوله: " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض (3) " وذلك يدل على أن الاخبار عن هذه الغيوب إنما حصلت بالوحي من الله تعالى بين يديه (4).
والنوع الثاني من الدلائل قوله تعالى: " وتفصيل كل شئ " وتحقيقه أن العلوم إما أن تكون دينية أولا، ولا شك أن الأول أرفع حالا وأعظم شأنا من الثاني، وأما الدينية فإما أن تكون علم العقائد والأديان، وإما أن تكون علم الاعمال، فالأول هو معرفة الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأما معرفة الله فهي عبارة عن معرفة ذاته، وصفة جلاله، وصفة إكرامه، ومعرفة أفعاله، ومعرفة أحكامه، ومعرفة أسمائه، والقرآن مشتمل على دلائل هذه المسائل وتفاريعها وتفاصيلها على وجه لا يساويه شئ من الكتب، بل لا يقرب منه شئ من المصنفات، وأما علم الاعمال فهو إما علم التكاليف المتعلقة بالظواهر وهو الفقه، ومعلوم أن جميع الفقهاء إنما استنبطوا مباحثهم عن القرآن، وإما علم بصفة الباطن (5) ورياضة القلوب، وقد حصل في القرآن من مباحث هذا العلم ما لا يكاد يوجد في غيره، فثبت أن القرآن مشتمل على تفاصيل جميع العلوم الشريفة عقليها ونقليها اشتمالا يمتنع حصوله في سائر الكتب، فكان ذلك معجزا.
وأما قوله: " لا ريب فيه من رب العالمين " فتقريره أن الكتاب الطويل المشتمل