على هذه العلوم الكثيرة لابد وأن يشتمل على نوع من أنواع التناقض، وحيث خلا عنه علمنا أنه من عند الله، ثم بعد إيراد هذه الدلائل أعاد الكلام مرة أخرى بلفظ الاستفهام على سبيل الانكار فقال: " أم يقولون افتراه " ثم ذكر حجة أخرى على إبطال هذا القول فقال: " قل فأتوا بسورة مثله ".
فإن قيل: لم قال في سورة البقرة: " من مثله " وهنا بسورة مثله.
قلنا: إن محمدا صلى الله عليه وآله كان رجلا أميا لم يتلمذ لاحد، ولم يطالع كتابا فقيل (1) في سورة البقرة: " فأتوا بسورة من مثله " أي فليأت إنسان يساوي محمدا صلى الله عليه وآله في عدم التلمذ (2) وعدم مطالعة الكتب بسورة تساوي هذه السورة، وحيث ظهر العجز ظهر المعجز، فهذا لا يدل على أن السورة في نفسها معجزة، ولكنه يدل على أن ظهور مثل هذه السورة من إنسان مثل محمد صلى الله عليه وآله معجز، ثم إنه تعالى بين في هذه السورة أن تلك السورة في نفسها معجز، فإن الخلق إن تلمذوا وتعلموا وطالعوا وتفكروا فإنه لا يمكنهم الاتيان بمعارضة سورة واحدة من هذه السور، فلا جرم قال تعالى في هذه الآية: " فأتوا بسورة مثله ".
فإن قيل: قوله: " بسورة مثله " هل يتناول جميع السور الصغار والكبار، أو يخص بالسور الكبار؟
قلنا: هذه الآية في سورة يونس وهي مكية، فالمراد مثل هذه السورة، لأنها أقرب ما يمكن أن يشار إليه.
واعلم أنه قد ظهر بما قررنا أن مراتب تحدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرآن ستة:
فأولها: أنه تحداهم بكل القرآن، كما قال: " قل لئن اجتمعت (3) " الآية وثانيها: أنه تحداهم بعشر سور (4).