الحجاز بأسا، وأمنعهم دارا، حتى أن قريشا تعتضد بهم (1)، والأوس والخزرج تستبق إلى محالفتهم وتتكثر بنصرتهم، فأباد الله خضراءهم، واستأصل شأفتهم، واجتث أصلهم (2) فأجلى النبي صلى الله عليه وآله بني النضير وبني قينقاع، وقتل بني قريظة، وشرد أهل خيبر، وغلب على فدك، ودان (3) أهل وادي القرى، فمحا الله سبحانه آثارهم صاغرين، وقال قتادة: معناه أن الله سبحانه أذلهم ذلا لا يعزون بعده أبدا.
وقال رحمه الله في قوله تعالى: " والله يعصمك من الناس ": في هذه الآية دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وآله وصحة نبوته من وجهين:
أحدهما: أنه وقع مخبره على ما أخبر به.
والثاني: أنه لا يقدم على الاخبار به إلا وهو يأمن أن يكون مخبره على ما أخبر به، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله لما نزلت هذه الآية قال لحراس من أصحابه كانوا يحرسونه، منهم سعد وحذيفة: الحقوا بملاحقكم، فإن الله سبحانه عصمني من الناس.
قوله تعالى: " وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه " قال الرازي: هذا من شبهات منكري نبوة محمد صلى الله عليه وآله، قالوا: لو كان رسولا من عند الله فهلا انزل عليه آية قاهرة و معجزة باهرة، ويروى أن بعض الملحدة طعن فقال: لو كان محمد قد أتى بآية ومعجزة لما صح أن يقول أولئك الكفار: " لولا انزل عليه آية ".
والجواب عنه: أن القرآن معجزة قاهرة بدليل أنه صلى الله عليه وآله تحداهم به فعجزوا عن معارضته، وذلك يدل على كونه معجزا، بقي أن يقال: فإذا كان الامر كذلك فكيف قالوا: " لولا انزل عليه آية من ربه؟ فنقول: الجواب عنه من وجوه:
الأول: لعل القوم طعنوا في كون القرآن معجزا على سبيل اللجاج والعناد، و