ثم قال: وفي هذا دلالة على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله لأنه أخبر بالشئ قبل كونه فوجد على ما أخبر به (1).
قوله تعالى: " يريدون أن يطفؤوا نور الله " قال الرازي: المقصود منه بيان نوع ثالث من الافعال القبيحة الصادرة عن رؤساء اليهود والنصارى، وهو سعيهم في إبطال أمر محمد صلى الله عليه وآله، وجدهم في إخفاء الدلائل الدالة على صحة شرعه، وقوة دينه، والمراد من النور الدلائل الدالة على صحة نبوته صلى الله عليه وآله وهي أمور كثيرة:
أحدها المعجزات القاهرة التي ظهرت على يده، فإن المعجز إما أن يكون دليلا على الصدق أو لا يكون، فعلى الأول فحيث ظهر المعجز لابد من حصول الصدق، وإن لم يدل على الصدق قدح ذلك في نبوة موسى وعيسى عليهما السلام.
وثانيها: القرآن العظيم الذي ظهر على لسان محمد صلى الله عليه وآله، مع أنه من أول عمره إلى آخره ما تعلم وما استفاد وما نظر في كتاب، وذلك من أعظم المعجزات.
وثالثها: أن حاصل شريعته تعظيم الله والثناء عليه، والانقياد لطاعته، وصرف النفس عن حب الدنيا، والترغيب في سعادات الآخرة، والعقل يدل على أنه لا طريق إلى الله إلا من هذا الوجه ورابعها: أن شرعه كان خاليا عن جميع العيوب، فليس فيه إثبات ما لا يليق بالله، وليس فيه دعوة إلى غير الله، وقد ملك البلاد العظيمة، وما غير طريقته في استحقار الدنيا وعدم الالتفات إليها، ولو كان مقصوده طلب الدنيا لما بقي الامر كذلك، فهذه الأحوال دلائل نيرة، وبراهين باهرة على صحة قوله، وإنهم (2) بكلماتهم الركيكة وشبهاتهم السخيفة وأنواع كفرهم ومكرهم أرادوا إبطال هذه الدلائل، فكان هذا جاريا مجرى من يريد إبطال نور الشمس بأن ينفخ فيها، ثم إنه تعالى وعد محمدا صلى الله عليه وآله مزيد النصرة، وإعلاء الدرجة، فقال: " ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون " وقال في قوله تعالى: " هو الذي أرسل رسوله " اعلم أن كمال حال الأنبياء لا يحصل إلا بأمور.