أقول: وفي هذا أيضا إخبار ببواطن أمورهم، وبما كانوا يخفونه عن المسلمين، على سبيل الاعجاز، وكذا قوله: " لا يضركم كيدهم شيئا " إخبار بما سيكون، وقد كان، و كذا قوله: " لقد صدقكم الله وعده " فإنه تعالى قد أخبر بالوعد، وإنه قد وقع، ولو لم يكن لأنكر عليه المعاندون، ولو أنكروا عليه لنقل، وسيأتي تفسيره، وكذا قوله " بيت طائفة منهم " إخبار بسرائر أمورهم.
قوله تعالى: " لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " قال الرازي: ذكروا في تفسير سلامته عن الاختلاف ثلاثة أوجه:
الأول: قال أبو بكر الأصم: معناه أن هؤلاء المنافقين كانوا يتواطئون في السر على أنواع كثيرة من المكر والكيد، والله تعالى كان يطلع الرسول على تلك الأحوال حالا فحالا، ويخبره عنها على سبيل التفصيل، وما كانوا يجدون في كل ذلك إلا الصدق، فقيل لهم: إن ذلك لو لم يكن بإخبار الله تعالى لما اطرد الصدق فيه، ولظهر في قول محمد أنواع الاختلاف والتفاوت، فلما لم يظهر ذلك علمنا أن ذلك بإعلام الله تعالى.
والثاني: وهو الذي ذهب إليه أكثر المتكلمين أن المراد منه أن القرآن كتاب كبير، وهو مشتمل على أنواع كثيرة من العلوم، فلو كان ذلك من عند غير الله لوقع فيه أنواع من الكلمات المتناقضة، لان الكتاب الكبير الطويل لا ينفك عن ذلك، ولما لم يوجد فيه ذلك علمنا أنه ليس من عند غير الله.
الثالث: ما ذكره أبو مسلم الاصفهاني وهو أن المراد منه الاختلاف في رتبة الفصاحة حتى لا يكون في جملته ما يعد في الكلام الركيك، بل بقيت الفصاحة فيه من أوله إلى آخره على نهج واحد، ومن المعلوم أن الانسان وإن كان في غاية البلاغة ونهاية الفصاحة فإذا كتب كتابا طويلا مشتملا على المعاني الكثيرة فلابد وأن يظهر التفاوت في كلامه، بحيث يكون بعضه قويا متينا، وبعضه سخيفا نازلا، ولما لم يكن القرآن كذلك علمنا أنه المعجز من عند الله تعالى انتهى (1).
وأقول: قوله تعالى: " ستجدون آخرين " إخبار بما سيكون، والكلام فيه كالكلام