فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم (1)، وقالوا: إنهم من أهل الكتاب وهم أعلم به منا فيرجعون عن دينه (2) إلى دينكم، وقال مجاهد والمقاتل والكلبي: كان هذا في شأن القبلة لما حولت إلى الكعبة وصلوا شق ذلك على اليهود فقال كعب بن الأشرف لأصحابه:
آمنوا بما انزل على محمد من أمر الكعبة، وصلوا إليها وجه النهار، وارجعوا إلى قبلتكم آخره لعلهم يشكون، ثم قال: وفي هذه الآيات معجزة باهرة لنبينا صلى الله عليه وآله إذ فيها إخبار عن سرائر القوم التي لا يعلمها إلا علام الغيوب (2) قوله تعالى: " قل فأتوا بالتوراة " قال الطبرسي رحمه الله: أنكر اليهود تحليل النبي صلى الله عليه وآله لحوم الإبل، فقال صلى الله عليه وآله: كل ذلك كان حلالا لإبراهيم عليه السلام، فقالت اليهود: كل شئ نحرمه فإنه كان محرما على نوح وإبراهيم، وهلم جرا حتى انتهى إلينا، فنزلت الآية عن الكلبي وأبي روق، فقال تعالى: " كل الطعام كان حلا لنبي إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة " معناه أن كل الطعام كان حلالا لبني إسرائيل قبل أن تنزل التوراة على موسى عليه السلام، فإنها تضمنت تحريم ما كان (4) حلالا لبني إسرائيل، واختلفوا فيما حرم عليهم وحالها بعد نزول التوراة، فقيل: إنه حرم عليهم ما كان يحرمونه قبل نزولها اقتداء بيعقوب عليه السلام عن السدي، و قيل: لم يحرمه الله تعالى عليهم في التوراة وإنما حرم عليهم بعد التوراة بظلمهم وكفرهم وقيل: لم يكن شئ من ذلك حراما عليهم في التوراة وإنما هو شئ حرموه على أنفسهم اتباعا لأبيهم، وأضافوا تحريمه إلى الله فكذبهم الله تعالى وقال: " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها " حتى يتبين أنه كما قلت لا كما قلتم " إن كنتم صادقين " في دعواكم فاحتج عليهم بالتوراة، وأمرهم بالاتيان بها وبأن يقرؤوا ما فيها، فإنه كان في التوراة أنها كانت حلالا للأنبياء، وإنما حرمها إسرائيل على نفسه (5)، فلم يجسروا على إتيان التوراة