وكونه ليس بمعصية لهم مع أممهم سواء، ثم ذلك على نوعين: ما طريقه البلاغ وتعليم الأمة بالفعل، وما هو خارج عن هذا مما يختص بنفسه، أما الأول فحكمه عند جماعة من العلماء حكم السهو في القول، لا يجوز طروء المخالفة فيها، لا عمدا ولا سهوا، واعتذروا عن أحاديث السهو بتوجيهات، وإلى هذا مال أبو إسحاق، وذهب الأكثر من الفقهاء والمتكلمين إلى أن المخالفة في الافعال البلاغية والأحكام الشرعية سهوا وعن غير قصد منه جائز عليه، كما تقرر من أحاديث السهو في الصلاة، وفرقوا بين الأقوال والافعال في ذلك، و القائلون بتجويز ذلك يشترطون أن الرسل لا تقر على السهو والغلط، بل ينبهون عليه، ويعرفون حكمه بالفور على قول بعضهم وهو الصحيح، وقبل انقراضهم، على قول الآخرين، وأما ما ليس طريقه البلاغ ولا بيان الاحكام، من أفعاله صلى الله عليه وآله وما يختص به من أمور دينه وأذكار قلبه ما لم يفعله ليتبع فيه فالأكثر من طبقات علماء الأمة على جواز السهو والغلط فيها على سبيل الندرة، وذهبت طائفة إلى منع السهو النسيان والغفلات والفترات في حقه صلى الله عليه وآله جملة (1)، وهو مذهب جماعة المتصوفة وأصحاب علم القلوب والمقامات انتهى ملخص كلامه (2).
وقد بسط القول فيها بما لا مزيد عليه، وإنما أوردت هذه الكلمات منها لتطلع على مذاهبهم في العصمة، فإذا أحطت خبرا بما تلونا عليك فاعلم أن هذه المسألة في غاية الاشكال، لدلالة كثير من الآيات والاخبار على صدور السهو عنهم عليهم السلام، نحو قوله تعالى:
" ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما (3) " وقوله تعالى: " واذكر ربك إذا نسيت (4) "، وقوله تعالى: " فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما (5) " وقوله:
" فإني نسيت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره (6) " وقوله: " لا تؤاخذني بما نسيت (7) "