نعم الوكيل والكفيل أنت، فقال ورقة لأخيه خويلد: تكلم ما دامت السادات حاضرين، قال خويلد: أشهدكم يا سادات العرب على أني قد نزعت نفسي من أمر ابنتي خديجة، وجعلت وكيلي وكفيلي في هذا الامر أخي، فلا رأي فوق رأيه، ولا أمر فوق أمره، فقال ورقة: اسمعوا أيها السادات، وإنه غير مجنون ولا مجبور ولا مخمور، وإني أزوجها بمن شئت، فقال العرب: سمعنا وأطعنا وشهدنا، وخرج خويلد وقد ذهب حكمها من يده، وسار ورقة إلى منزل خديجة وهو فرح مسرور، فلما نظرت إليه قالت: مرحبا و أهلا بك يا عم، لعلك قضيت الحاجة، قال: نعم يا خديجة يهنئك، وقد رجعت أحكامك (1) إلي، فأنا وكيلك، وفي غداة غد أزوجك إن شاء الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وآله، فلما سمعت خديجة كلامه فرحت وخلعت عليه خلعة قد اشتراها عبدها ميسرة من الشام بخمس مأة دينار، فقال ورقة: لا ترغبيني في مثل هذا، فلست براغب فيه، وإنما الرغبة في شفاعة محمد صلى الله عليه وآله، فقالت: لك ذلك، ثم قال لها: يا خديجة قومي هذه الساعة، وجهزي أمرك، وجملي منزلك، واخرجي ذخائرك، وعلقي ستورك، وانشري حللك، واكمدي عدوك، فما يدخر المال إلا لمثل هذا اليوم، واصنعي وليمة لا يعوزك (2) فيها شئ، فإن العرب في غداة غد يأتون كلهم إلى دارك، فلما سمعت منه ذلك نادت في عبيدها وجواريها، و أخرجوا الستور والمساند والوسائد والبسط المختلفة الألوان والحلل ذات الأثمان و العقود والقلائد ونشرت الرايات.
وقد روت الرواة الذين شاهدوا تلك الليلة أن تلك العبيد والإماء الذين كانوا برسم الخدمة لحمل الآنية ثمانون عبدا، وذبحت (3) الذبائح، وعقرت العقائر، وعقدت الحلاوات من كل لون، وجمعت الفواكه من كل فاكهة، وقصد ورقة منزل أبي طالب فوجده وإخوته