قد أقبل، ودخل على خديجة (1) وهي تحت حجابها، وقال: يا خديجة أين عقلك؟ وأين سؤددك؟ أنا لم أرض لك بالملوك، ورددتهم كبرا عليهم، وترضين الآن لنفسك بصبي صغير فقير يتيم ليس له مال أبدا، قد كان لك أجيرا، وهذا اليوم يكون لك بعلا؟ لا كان ذلك أبدا، والآن إن قبلتيه لأعلينك بهذا السيف، واليوم لا شك فيه تسفك الدماء، ونهض على قدميه وخرج كأنه مجنون حتى وقف على صدر المجلس وقال: يا معاشر العرب، ويا ذوي المعالي والرتب، أشهدكم على أني لم أرض محمدا لابنتي بعلا، ولو دفع لي وزن جبل أبي قبيس ذهبا، فما بيني وبينه إلا السيوف، فما مثلي من يخدع بشرب المدام، ثم قال:
ولو أنها قالت: نعم لعلوتها * بشفرة حد (2) للجماجم فاصل فمن رام تزويج ابنتي بمحمد * وإن رضيت يا قوم لست بقابل قال: فلما سمع أعمام النبي صلى الله عليه وآله كلامه والحاضرون قال حمزة لأخيه أبي طالب مع إخوته: ما بقي للجلوس موضع، قوموا بنا (3)، فبينا هم في ذلك إذ أقبلت جارية لخديجة، وأشارت إلى أبي طالب فقام معها، ووقف أبو طالب خلف الحجاب، فسلمت عليه خديجة، وقالت: نعمت صباحا ومساء، يا سيد الحرم، لا تغتر بشقشقة أبي، فإنه ينصلح بشئ قليل، ثم أعطته كيسا فيه ألفا دينار، وقالت: يا سيدي خذ هذا وسر به إليه، كأنك تعاتبه وصبه في حجره، فإنه يرضى، فسار أبو طالب والناس حاضرون، وقال له: يا خويلد ادن مني، قال: لا أدنو منك أبدا، قال: يا خويلد إنه كلام تسمعه، فإن لم يرضك فما أحد يقهرك، وفتح (4) أبو طالب الكيس وصبه في حجر خويلد، وقال له: هذه عطية من ابن أخي لك، غير مهر ابنتك، فلما رأى خويلد المال انطفت ناره، وأقبل ووقف في