خديجة تخاطبيني بهذا الكلام، كأنك تريدين الزواج؟ قالت: أجل، قال: يا خديجة لقد خطبك الملوك والصناديد، ولم ترضى بأحد منهم، قالت: ما أريد من يخرجني من مكة، فقال: والله ما منها (1) أحد إلا وقد خطبك، مثل شيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأبي جهل بن هشام، والصلت بن أبي يهاب فأبيتي (2) عنهم جميعا، قالت: ما أريد من فيه عيب، ثم قالت: يا عم صف لي عيبهم، قال: يا خديجة أما شيبة ففيه سوء الظن، و أما عقبة فهو كثير السن، وأما أبو جهل فهو بخيل متكبر، كريه النفس، وأما الصلت فهو رجل مطلاق، فقالت: لعن الله من ذكرت، وهل تعلم أنه خطبني (3) غير هؤلاء؟
قال: سمعت أنه قد خطبك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، قالت يا عم صف لي عيبه، وكان ورقة عنده علم من الكتب السالفة بما يكون من أمر محمد صلى الله عليه وآله، فلما سمع كلامها طأطأ رأسه وقال: أصف لك عيبه؟ قالت: نعم، قال: أصله أصيل، وفرعه طويل (4) وطرفه كحيل، وخلقه جميل، وفضله عميم، وجوده عظيم، والله يا خديجة ما كذبت فيما قلت، قالت: يا عم صف لي عيبه كما وصفت لي خيره، قال: يا خديجة: وجهه أقمر، وجبينه أزهر، وطرفه أحور، ولفظه أعذب (5) من المسك الأذفر، وأحلى من السكر، وإذا مشى كأنه البدر إذا بدر، والوبل إذا أمطر، قالت (6): يا عم صف لي عيبه، قال: يا خديجة مخلوق من الحسن (7) الشامخ، والنسب الباذخ، وهو أحسن العالم سيرة، وأصفاهم سريرة (8)، إذا مشى تخاله ينحدر من صبب، شعره كالغيهب، وخده أزهر من الورد الأحمر، وريحه