مجتمعين، فقال لهم: نعمتم صباحا ومساء، ما يحبسكم عن إصلاح أمركم، انهضوا في أمر خديجة، فقد صار أمرها بيدي، فجذا كان غداة غد إن شاء الله تعالى أزوجها بمحمد صلى الله عليه وآله (1)، فعندها قال محمد صلى الله عليه وآله: لا أنسى الله لك ذلك يا ورقة، وجزاك فوق صنيعك معنا (2)، ثم قال أبو طالب: الآن والله طاب قلبي، وعلمت أن أخي قد بلغ المنى، وقام لعمل الوليمة وإخوته عنده، فعند ذلك اهتز العرش والكرسي، وسجد الملائكة وأوحى الله تعالى إلى رضوان خازن الجنان أن يزينها، ويصف الحور والولدان، ويهيأ أقداح الشراب، ويزين الكواعب والأتراب (3)، وأوحى إلى الأمين جبرئيل عليه السلام، أن ينشر لواء الحمد على الكعبة، وتطاولت الجبال، وسبحت بحمد الملك المتعال، على ما خص به محمدا صلى الله عليه وآله، وفرحت الأرض، وباتت مكة تغلي بأهلها كما يغلي المرجل (4) على النار، فلما أصبحوا أقبلت الطوائف والأكابر والقبائل والعشائر، فلما دخلوا منزل خديجة وجدوها وقد أعدت لهم المساند والوسائد والكراسي والمراتب، وجعلت مجلس كل واحد منهم في مرتبته ومحله، فدخل أبو جهل لعنه الله وهو يختال (5) في مشيته وزينته، وقد أرخى ذوائبه من ورائه، وحمائل سيفه على منكبه، وقد أحدقت به بنو مخزوم، فنظر إلى صدر المجلس وقد نصب فيه كرسي عظيم، وتحته أحد عشر كرسيا، في أعلى مكان مصفوفا لم ير أحسن منها، فتقدم وأراد الجلوس على ذلك السرير العالي، فصاح به ميسرة وقال له:
يا سيدي تمهل قليلا ولا تعجل، فقد وضعت منزلك عند بني مخزوم، فرجع هو خجلان، وجلس فما كان إلا قليلا وإذا بأصوات قد علت، والعرب قد تواثبت، وقد أقبل العباس (6)